إبراهيم الجبين
قرأت أن مجموعة من الناس في الماضي السحيق، لما رأت ما حلّ بالعباد وبالبلاد من فوضى، قرّرت أن تتخذ موقفا حاسما. فأقسم هؤلاء على ألا يعملوا في أي مهنة ما دام العمل يتسبب بالحروب. وأن لا يستحموا، وأن يطيلوا شعر رؤوسهم ويحلقوا حواجبهم، إلى أن يحلّها الله، ويخلّص الناس مما هم فيه. فعاشوا فترة من الزمن. لكن الله سبحان حكمته، لم يحلل شيئا، بل زاد الأمور تعقيدا. ولما طال صبرهم، قرروا أن يتفرغوا لفهم الحالة العجيبة التي وضعوا أنفسهم فيها. فسمّاهم الناس “القلندرية”، وانتشرت طريقتهم في المشرق كله. إذ توجد لهم في بغداد زاوية، ذكرها الغياثي في تاريخه قائلا “وكان دار الشفاء على جانب دجلة، فبنى السلطان أحمد الجلائري في وجهها القلندرخانة”. أما في دمشق فقد أورد النعيمي أن الشيخ جمال الدين الساوي “حصل له زهد وفراغ من الدنيا، فأقام بباب الصغير، وهي الزاوية التي عرفت باسم القلندرية”. وبرغم غضبه الشديد من القدر والواقع، كان القلندري مسكينا، يحمل وعاء يقال له “كشكول” يتدلى من يده بسلسلة طويلة، كي يضع له الناس ما يخرج من خواطرهم. بعض الشعوب حرّفت الكلمة، فباتت كلمة “قرندل” تطلق على من يتعب نفسه خدمة للآخرين، دون نتيجة. ولذلك اختار الصحافي العراقي صادق الأزدي لمجلته الساخرة اسم “قرندل”. وقد صدرت في العام 1947 وتوقفت بعد ثورة 1958. قال الأزدي “كان قرندل شخصا غبيا يجوب أزقة بغداد، فتدعوه بعض ربات البيوت أحيانا ليساعدهن في طحن البرغل أو التمّن ليستخدمنه في صنع الكبّة. وبعد أن يقوم قرندل بهذا الواجب يتعب وينام. وعند نضج الطعام وحضور المائدة، يطلب رب البيت إيقاظ قرندل لتناول الطعام فتجيبه ربة البيت بأنه نائم ومرتاح. وعلى هذا فقد شاع مثل ببغداد: وَكتْ دكّ الكبة تعالْ قرندل. ووكتْ الأكل خطيّه نايم”.المصريون أيضا يعتبرون أن كلمة “القرندلي”، أو “الأرندلي” بالجيم المصرية، تعني المجنون المجذوب، ولذلك كان مسلسل يحيى الفخراني “ابن الأرندلي”. وتقول الغارديان في مقال للخبير الاستراتيجي روشير شارما مؤلف كتاب “صعود وانهيار الأمم” إن العالم يستعد لعصر “ما بعد العولمة”، حيث أن فكرة السوق المفتوحة والاقتصاد الواحد تنهار يوميا. لذلك فإن معظم الناس في زمننا هذا، يشعرون بأنهم قرندليون بإرادتهم أو رغما عنهم يدرون أو لا يدرون. |