بغداد / المستقبل العراقي
يمرّ إقليم كردستان بمنعطف مصيري هو الأهم في تاريخه حتى اللحظة، حيث قرّرت الأحزاب الكردية إجراء استفتاء شعبي بخصوص الاستقلال عن العراق، في الخامس والعشرين من أيلول المقبل، بهدف تشكيل دولة مستقلّة.القوى السياسية الكردية وجدت أن ظروف العراق المتردّية بسبب حربه على تنظيم «داعش»، والضعف الذي يعانيه بسبب المشاكل الأمنية والسياسية والاقتصادية، ملائمة لتحقيق حلم الدولة الكردية. لكن هل سيمر الاستفتاء بسلاسة ودون حصول تداعيات؟ الأمر المؤكّد أن الخطوة ستولّد زوبعة سياسية بدأت نذرها من لحظة الإعلان عن الاستفتاء، إلى جانب ذلك سيكون له آثار اقتصادية على العراق عموماً، وإقليم كردستان خصوصاً، وبما يشكّله النفط من عمود فقري لذلك القطاع.وقد مرّت العلاقة بين أربيل والحكومة المركزية العراقية مؤخراً بفترات حرجة سياسياً واقتصادياً، لا سيما بعد أن امتنعت بغداد عن دفع رواتب موظفي الإقليم، ورفضها أيضاً دفع نسبة الـ 17% من عائدات النفط المخصصة بموجب الدستور لإقليم كردستان، وكذلك تقليص حصّتها من الميزانية العامة للدولة؛ بسبب تشييد كردستان خط أنابيب يصل إلى تركيا، سعياً لتحقيق الاستقلال الاقتصادي. ويبلغ حجم الاقتصاد مجملاً نحو 223 مليار دولار، حسب إحصائيات عام 2015، وهو يعتمد اعتماداً كلياً على القطاع النفطي، حيث يكوّن 95% من إجمالي دخل العراق. وبلغت الميزانية الفيدرالية العراقية عام 2016 نحو 90 مليار دولار، بعجز يُقدّر بـ 21 ملياراً، بناء على تقدير الموازنة أنها ستصدّر 3.6 ملايين برميل نفط يومياً بسعر 45 دولاراً للبرميل. هذه المعادلة الاقتصادية المعقّدة لواقع العراق تجعل للاستفتاء تبعات على العلاقة بين أربيل وبغداد، وعن طبيعة هذه العلاقة يقول أستاذ الاقتصاد الدولي بجامعة المستنصرية في بغداد، عبد الرحمن المشهداني، إن «الجوانب السلبية لانفصال إقليم كردستان عن العراق لن تكون واضحة لعدة اعتبارات؛ أهمها أن حكومة الإقليم لم تقدّم منذ العام 2003 وإلى اليوم أي كشف بحساباتها لبغداد، وخاصة تلك التي تشمل الإيرادات والتحصيل الجمركي».وأشار إلى أن «حكومة الإقليم دائماً ما كانت تخلّ بالاتفاقيات التي تُوقّع في بداية كل موازنة جديدة تقرّها الحكومة المركزية بشأن تصدير النفط، والتي تنص على وجوب قيام حكومة إقليم كردستان بتصدير 550 ألف برميل نفط يومياً، منها 300 ألف برميل من حقول كركوك، و550 ألف برميل يومياً من حقول كردستان»، مؤكداً أن «الإقليم يُصدّر من دون تحويل الإيرادات النفطية إلى خزينة الدولة». وهنا يجد المشهداني أن «الآثار السلبية ستكون على حكومة الإقليم أكثر منها على العراق نفسه؛ لقيام بغداد بقطع التزاماتها تجاه الإقليم، ولا سيما الـ 17% من ميزانية الدولة».في حين أن الآثار السلبية على العراق من الممكن أن تتركّز على «النزاعات التي ستنشب بين الطرفين على المناطق المتنازع عليها في نينوى والموصل وديالى وكركوك الغنية بالنفط، والتي لن تتنازل عنها الحكومة المركزية مهما كلّف الأمر». لكن هذه الحسابات لا تتوقف عند الحدود المحلية للعراق، بل تتعداها إلى خارج الحدود، وبالتحديد العلاقة مع دول الجوار والعالم. الخبير الاقتصادي الكردي، صلاح الدين كاكو، قال «إقليم كردستان قرّر بناء دولة مستقلّة تكون عضواً في الأمم المتحدة، تربطها أفضل العلاقات مع الجوار، لكي يتسنّى لحكومة الإقليم تأسيس علاقات اقتصادية قوية وقانونية مع تلك الدول، ما يؤهّلها لعقد اتفاقيات تجارية واستثمارية، ولا سيما في قطاع النفط مع هذه الدول بشكل قانوني». لكن كاكو تخوّف من أن «يكون لتلك الخطوة آثار سلبية أيضاً إذا ما تطوّر موقف دول الجوار من الانتقاد إلى أخذ إجراءات بحق الإقليم، ما سيؤثر سلباً في الوضع الاقتصادي لكردستان، ومن ثم فإن الوضع يتوقّف على موقف كل من تركيا وسوريا وإيران، وكذلك موقف الحكومة المركزية ومفاوضات الانفصال بعد الاستفتاء». في المقابل ثمة وجهة نظر أخرى يعبّر عنها أستاذ الاقتصاد الدولي، عبد الرحمن المشهداني، مفادها أن «الإقليم سيعاني إذا ما أعلن الاستقلال؛ بسبب إجراءات حكومة بغداد أولاً، وبسبب ما توقعه من إجراءات اقتصادية وسياسية ستقوم بها دول الجوار ضد كردستان»، مستدلّاً على وجهة نظره بـ «الانتقادات والاعتراضات التي صدرت من إيران وتركيا». لا بد أن من الإشارة إلى أن ملفّ الاستقلال لم يُحسم بعد على الصعيد المحلي داخل الإقليم، في ظل وجود خلافات داخل الأحزاب الرئيسية فيه، ولا سيما تلك الموجودة في كل من السليمانية وأربيل، حول التوقيت المناسب للانفصال، ومن ثم فإن المشوار ما زال طويلاً، والأمور متّجهة نحو التصعيد داخلياً وخارجياً.وهنا يقول محللون سياسيون، إن أي خطوة للعبور إلى دولة كردية لا بد أن تحقق ثلاثة شروط مجتمعة لا تقبل التجزئة؛ أولها أخذ الضوء الأخضر الدولي، ولا سيما من الدول الكبرى الفاعلة على الأرض، وثانيها إقناع الدول الإقليمية، ولا سيما تركيا وإيران، وثالثها تحقيق الاستقلال الاقتصادي للدولة الوليدة.
|