مكتب باريس / د. علاء التميمي
في زمن يتم فيه تشويه الدين إما بسبب عصابات القتل والتدمير التي تتخذ من الدين شعاراً لها كتنظيم «داعش» ومشتقاته، أو بسبب بعض الاحزاب الإسلامية التي استغلت الدين كغطاء للبحث عن النفوذ السياسي، تبرز تجارب مشرقة تقوم بها مؤسسات دينية تحاول ان تعيد الدين إلى منابعه الأصلية الصافية المبنية على هداية الانسان وخدمته وإسعاده مما أثار أعجاب حتى الصحافة الأجنبية التي قلما تشيد بدور الدين و خاصة في الشرق الأسلامي في العصر الراهن بسبب ما خلقه الإرهاب من صورة سوداوية طغت على المباديء السامية للدين الاسلامي. وتحت عنوان (كربلاء عراقٌ آخر.. المدينة التي تزدهر بفضل الدين) نشرت صحيفة الفيغارو الفرنسية مؤخراً مقالاً احتل صفحة كاملة مع صورة معبرة لمنطقة ما بين الحرمين في مدينة كربلاء المقدسة. المقال بقلم الاعلامي و الكاتب الفرنسي المعروف جورج مالبرونو الذي زار العراق في نيسان الماضي في جولة قادته الى اقليم كردستان وبغداد ثم كربلاء والنجف. عبر مالبرونو عن اندهاشه واعجابه لما شاهده من انجازات خدمية حققتها العتبتان المقدستان الحسينية والعباسية في مدينة كربلاء المقدسة مثل المستشفيات الحديثة ودور الأرامل والأيتام والمدارس والمصانع والمزارع التي غذت السوق المحلية بالكثير من المنتجات وساهمت بتشغيل آلاف من الأيدي العاملة مما أدى الى الاكتفاء الذاتي لبعض المنتجات من ناحية ومن ناحية اخرى ساهم في التخفيف من زخم البطالة المتفشية في بلد يعاني من الفساد وسوء الإدارة بكافة مفاصلة. ويقول المقال «العتبتان تمثلان مؤسستان تحلان محل دولة فاشلة وترفضان تدخل حكومة بغداد في عملها». وفي سياق حديثه عن العتبة العباسية على سبيل المثال يقول «بموظفيها الستة آلاف وخمسمائة تشكل العتبة العباسية حكومة مصغرة تعمل بشكل جيد، حيث لا وجود للفساد هنا». وعن مشروع المطار الدولي الذي تعتزم انشائه العتبة الحسينية يقول مالبرونو «ليس بالمصادفة ابدا ان يتم اختيار منطقة «الفرات الاوسط» وتحديدا المنطقة بين كربلاء والنجف لتشهد ولادة مطاراً كبيراً يحمل اسم «الإمام الحسين» قادرا على استقبال عشرين مليون مسافر سنويا بفضل افتتاح شركة طيران سوف تربط كربلاء بالعالم». كما اشار المقال الى أن «العتبة الحسينية تسعى للحصول على طائرتين ايرباص نوع ATR/ A320 » هذا ما صرح به احد الدبلوماسيين الفرنسيين. كما قامت العتبة الحسينية في كانون الثاني الماضي بفتح مكتبا استثماريا دائما لها في باريس ومراكز ثقافية عدة في مختلف دول كمركز علوم القرآن في اندونيسيا والمركز الثقافي في الدنمارك». كما اشار المقال الى قيام قسم الإعلام في العتبة الحسينية بنشر مجلة فصلية عالمية باللغة الفرنسية تحمل اسم «النهضة الحسينية» تعبر بشكل جيد عن حضارة العراق الاسلامية. وذكر المقال أكثر الاستثمارات تميزا لمؤسسة الكفيل التابعة للعتبة العباسية وهو المستشفى الأكثر حداثة الذي يقع على بعد 5 كيلو مترات من المدينة المقدسة والذي يصنف الخامس في الشرق الأوسط من حيث حداثته وفقا لتصنيف احد المراكز المتخصصة في دبي. المستشفى يضم 220 سريرا و يعمل على استقدام اطباء من استراليا الهند وفرنسا في مهمات تستمر لأسابيع. و عن الدور الذي تقوم به العتبتان المقدستان في دعم الحرب ضد «داعش» يقول مالبرونو «على الرغم من ان المساهمة في الحرب على داعش تقلل من فرص الاستثمار لكن ذلك لم يمنع العتبتين من تشكيل كل منهما لواء حشد شعبي»، وهذا ساهم مساهمة فعالة في صنع نصر العراق على داعش. رغم ان مقال الفيغارو في معرض اشادته بالدور التنموي للعتبات المقدسة قد ذكر جانب من الخدمات المقدمة للشعب الا انه لم يذكر كل شيء كعشرات المشاريع الخدمية الأخرى ودور العتبات في استقبال النازحين من ابناء المحافظات الغربية واقامة المخيمات لهم وتوفير كافة الخدمات سواء في كربلاء والنجف او في المناطق المحررة فضلاً عن الدعم اللامحدود لقطعات الحشد الشعبي في جبهات القتال ورعاية اسر الشهداء. السؤال الذي يظل مطروحاً ما سبب نجاح مؤسستين دينيتين في تقديم الخدمات للشعب مما جعل صحيفة عالمية كالفيغارو الفرنسية تشيد بدورهما في حين تفشل دولة لديها كل امكانيات النهوض بمجتمع صغير نسبة الى ما يمتلكه من موارد طبيعية وطاقات بشرية هائلة؟ انه الفساد و سوء الادارة. والسؤال الآخر لماذا تُرغم المؤسسات الدينية التي من المفروض ان لا يتعدى دورها عن ادارة العتبات وتقديم الخدمات للزائرين في تقديم كل هذه المشاريع التي هي من واجب الدولة و ليس من واجبها؟ و ما هو واجب الدولة؟ و السؤال الأهم والأكبر حين يرى الشعب الفارق بين من يستخدم ضميره في خدمة الشعب المستند الى وازع ديني مثل العتبات المقدسة حيث النجاح الكبير في المشاريع وبين حكومة مكونة من بعض الاحزاب والشخصيات التي لاهم لها سوى سرقة المال العام؟ |