حاوره / قاسم وداي الربيعي
لم يكن فاضل حاتم شاعرا كالآخرين هو يختلف عنهم تماما فاضل هذا الذي يكتب ويثير الحب والفرح في جميعِ دواوينه إلا أنه موكبا للألم والأدوية وينتقل بين أسرة الشفاء ولا يشغله في رحلته إلا الشعر ومحبة الإنسان .. ربما فاضل حاتم هو استمرار لمحنة عاشها العديد من الشعراء السياب وأمل دنقل مثلا فرحلتهم تشبه حد ما رحلة شاعرنا الحاتم , قرأ الشعر منذ صغره فتعلق الشعر فيه , كتب نصوصه التي تمتاز بالحب والرومانسية هو يخاطب المرأة بكل طقوسها فبرع جدا في هذا . صدرت له ستة دواوين شعرية وهو يطمح بالمزيد , التقيت به في أمسية فحدثني حول تجربته الشعرية وهو غارق في عالم الشعر بشكل كبير فكانت بدايتي معه حول البدايات ورحلته الأدبية _ البداية والتجربة الشعرية متى وأين . البداية هي حين وجدت نفسي أقراء في نصوص الأدب العربي للصف الرابع الإعدادي الكتاب الذي يعود لأخي الكبير، وكان ذلك عام 1973حينها كنت في العاشرة من عمري ، فوجدت نفسي تغرق في بحر القصائد ومنذ ذلك الحين بدأت بمحبة الشعر، وكانت مجلة التراث الشعبي اسبق في جذبي إلى الشعر الشعبي بداية الأمر الذي دفعني لقراءة دواوين الشعراء الشعبيين فترة السبعينيات ، وتجربة الكتابة للشعر الشعبي منذ العام 1975..إذ بقيت أكثر من ثلاث سنوات أجرب الكتابة حتى استطعت من الوقوف على أبواب القصيدة. وكان ذلك في مدينة الثورة . التي نزح أهلي إليها من مدينة الهادي( الحرية) مسقط رأسي، سنة 1970 _ لمن يكتب فاضل حاتم وهل أنت تبحثُ في كتاباتك عن فصولٍ للفرح الفرح الذي يكاد يغادرك أكتبُ لنفسي أولاُ ، فالكتابة تنفس بعد اختناق، أكتبُ ليهدأ الماردُ في داخلي، أكتب لأخرج من عمق البحر الذي لا أجيد السباحة فيه، أو لأخلص من حالة الغرق ، الكتابة جزء امتزج بالذات للتعبير عما يجيش بداخلها من صمتٍ يكاد يهدم الجدار، بعد ذلك أن شئتُ أخرجته للمتلقي أو أحتفظ به. أما موضوعة الفرح فهو الغائب الذي لا يأتي ، وأن أتى فيأتي متأخراً دائماً ، بعد أوانه، ويأتي بمفرده حين أكون بمفردي، فلا يحفل به أو بي أحدٌ ، رغم ذلك مازلتُ أغني للفرحِ وانسجُ له جناحين من حرير ، فأنا أراه في عيون أبنتي حين تضحك وفي رقصة أبني حين يحصل على لعبة جديدة ، وبعيون صديقةٍ لمّا أهديها قصيدة غزل. _ أنت مع التجديد في قصيدة النثر وكيف ترى مستقبل الشعر وسط هذه الزحمة من شعراء الفيس. قصيدة النثر التي اعتمدت الاختزال والدهشة والصدمة والكثافة ، فيها مناطق أيضا للمباشرة على أن تعتمد هذه المباشرة أحدى مقومات قصيدة النثر المذكورة ، نعم مع التجديد في إي أسلوب للكتابة ومنها قصيدة النثر ، وهذا ليس ببعيد أن يخرج لنا شاعر متمكن يمتاز بالإبداع حينها يقدم لنا مشروعا جديداً مثلما فعل بدر شاكر السياب في القصيدة الحديثة . أما مستقبل الشعر الذي نرى ركوده الحالي فهو كالنار تحت الرماد ، إذ لابد من بزوغ صوت شعري متفرد ، يضاهي ما كتبه الرواد الأوائل ، وأنا متفائل من وجود هذا الصوت ، ولا يمكن لنا أن نربط الشعر بالفيس ، فالفيس صفحة حرة ، لكل شخص الحق في امتلاكها وبالتالي كتابة ما يريد، نعم هناك أصوات متفردة أظهرها الفيس وهي على درجة عالية من العطاء ، علينا التوقف عندها بدل متابعة الزحمة التي لا تمتلك مؤهلات الكتابة الشعرية. _ أنت تذكرني بالشاعر أمل دنقل فأجد هناك تشابه كبير خصوصا بما يعتريك من ألم السم. الشاعر أمل دنقل قرأتُ له، وأحببتُ شعره ، ووحدة الألم تجمع الكثير من الشعراء ، خصوصا الشعراء الذين يكتبون لأنفسهم أولاً ، بعيدا عن أبواب الحكام ، والمدح والهجاء ، فتكاد لا تجد شاعراً لم يعاني من الألم الجسدي فضلاُ عن الآلام النفسية ، أما مرض السم الذي ذكرته والذي أعاني منه منذ سنتين فقد استطعت تحويله إلى طاقة ايجابية في غزارة الإنتاج خلال هذه الفترة، فأنا أكتب ُ بدمي بدل الحبر، أحاول أن أختزل السنين الذي مضت وأنا لم أنتج شيئاً ، فكان المرض بالسرطان أحد عوامل اهتمامي بالشعر إضافة إلى المرأة. _ رغم عذاباتك إلا أن الحب والمرأة لا تفارقك بل هي تسكنك حد الجنون. العذابات حالات طارئة ،تمر على الإنسان، في بدايات حياته أو في وسطها أو أواخرها، وهي ليست دائمة الثبات ممكن لها تزول، أما الحب والمرأة فهما الشيئان الوحيدان أكثر قرباً والتصاقاُ بالإنسان ، منذ الولادة ، هناك المرأة الأم وهناك الحب والرعاية والاهتمام ، إذن ، البقاء هو والتأثير هو لهذين الشيئين الجميلين الحب والمرأة. نعم أنا أرى بعد هذه العقود الخمسة من العمر أن هذا الكون أجمل ما فيه هو المرأة يصحبها الحب ، فهي ملايين المجرات ، وهي السماء بأوسعها، حين تصدق بمشاعرها وترتقي لمصاف القديسات في احترامها لذاتها ،لا كما يرغب المحافظون ، أنما في معرفتها لمكامن أنوثتها ، وقوة سحرها، فهناك من النساء المنفردات ،هنّ اللواتي يفجرن الطاقة المبدعة عند الشاعر. _ دائما أرى فيك حزنا يملأ مساحات عينيك هل هناك سر في هذا أم هي طقوسك التي تملأ تجاويف قلبك. أنا عراقي أذن أنا حزين، حزن الغناء الذي تعلمته من أبي حين يعّبر عن فرحه وهو يستمع لأنين قلبه.. الحزن هو الصديق الوحيد الذي عرفته منذ صغري، حيث افتقدتُ أشياءاً كثيرة لم احصل عليها ، ولد الحزن إحزانا كبرت مع السنين ، نحن مازلنا نحلم بالطفولة ، حتى كبرنا وكبرت واتسعت أحزاننا، خصوصا عندما يمرُّ بك الفرح وهو قليل ما يمرُّ بدروبنا ولا تجد من يشاركك فرحك فتشعر ساعتها بالحزن يتغلب على دمعتك، أنا أحب الحزن كثيراً ففي الحزن أبدع واكتب ُ وأشعر بالتوازن النفسي ، حتى أصبح الحزن هو وجهي وملابسي وصمتي. _ أين تجد نفسك وسط زحام الشعراء وكثرة المُدعين . أنا مازلتُ في طور التكوين ،منذ أكثر من أربعين عاما علاقتي مع الشعر.. وكانت هذه العلاقة تتصالح حينا وتنقطع أحيانا كثيرة ، ولكنني لم انقطع عن قراءة ومتابعة الشعر والصفحات الثقافية في الصحف العراقية من منتصف السبعينيات إلى عام 2003 بعدها عزفت عن قراءة ما يصدر من صحف وصلت إلى المئات، ومن عام 2015 بدأت أعيد علاقتي بالشعر وخصوصا قصيدة النثر، أنا لا أريد أن أكون بين زحمة الشعراء والمدعين ، أريد أن انفرد بصوتي بعيداً عن الضوضاء ، فأنا مؤمن بسلامة طريقي ، ولكن الوقت له ضروراته في التعريف بصوتي . _ بمن تأثرت من الشعراء ومن شحذ لسانك . قرأت الشعر العربي مثلما قرأه غيري ، تعرفت على شعراء الجاهلية والعصر الأموي والعباسي والعصر الحديث ، وهذه بديهية لكل من يتذوق الشعر فضلا عن كتابته ، تأثرت كثيرا ومازلت أعتبرهما المدرستين اللتين استقي منهما هما الشاعران العظيمان بدر شاكر السياب ونزار قباني، أما من شحذ لساني فهو الطبع أولا إذ وجدت نفسي أميل للشعر قراءة ونظما ثم توالت أكفُّ الدهر في تعليمي معنى المأساة ومعنى الصبر عليها أخرها الإمراض التي تكالبت تكالب الضباع ، وتبقى المرأة هي التي صنعتني شاعرا أن صحت هذه الكلمة أن أطلقها على نفسي فأنا مازلت أحبو في حلبة الشعر ، ولكن ماري هي التي جعلت مني كاتبا للشعر ، وهي التي مازالت تدفعني أن استمر بالكتابة. |