بقلم / منشد الاسدي
حينما يريد البعض أن يصف الاعجاب بشخص ما , اما لمنجزه أو لموقفه أو حتى لقضية قد تميز بها يقول ( مجازا ) أنه يرفع له القبعة , حتى وان لم يكن قد أرتدى بحياته قيبعه ! ولكن على رأي اللغويين يستخدم اللفظ مجازا ( لوجود مناسبة بين المعنيين ) . فعندما وضع أحد الزملاء الاعلاميين القادم بعد سنوات الغربة من عاصمة الثلج والهدؤؤ ( موسكو ) كتاب ( في زحام الحياة ) للدكتورة تهاني محمد , طالبا مني فيه الرأي ( بموضوعية ) لاسيما واني لم أتعرف مسبقا على شخصية الكاتبة بل ولم التق بها , وجدت نفسي أقلب صفحات الكتاب الذي أختارت مؤلفته أسلوب قراءة بطريقة تعدد العناوين الداخلية , المفصول كل جزء منها عن الاخر بشكل يجعل القارىء يقف اينما يريد . شدني جدا دعوة د. تهاني للاخرين أن يقفوا عند الاشارة الحمراء ( للحياة ) وتسألت مع نفسي أي أشارة تقصد ؟ فوجدتها تريد ان يشاركها الكثير أختراق ماحولنا بمجتمعنا من الالام التي أعتاد الناس ( مضغها ) ثم دعت الى التوقف عن حبس الانين خلف جدران عازلة للصوت ( وماأكثر هذه الجدران ) . أعلنت تهاني محمد رسالتها لفئة من المجتمع قائلة أنكم لستم وحدكم في معركة الحياة , بل ان الهم المشترك يجعل أيدينا تتشابك معا لنعبر بها جسرا الى الضفة الاخرى بأمان , فمن هي هذه الفئات التي أرادات تهاني محمد ( الطبيبة ) التي مارست وصف العلاج عبر قصص ومواقف من الحياة في كتابها هذا ( في زحام الحياة ) ؟ لقد توقف قلم المؤلفة عند ( طابور المطلقات ) وتسألت . هل كل الرجال مخطؤون ؟ سؤال مشروع حقا , هل كل النسوة قد ظلمهن رجالهن ؟ أم هن ظلمن أنفسهن ؟انه سؤال بلا شك طالما راود الكثير , ولكن الاكثر لم يجرؤ أن يطرحه لاسباب لعل منها أن لاأحد يريد ان يلقي باللوم على الكيان ( المقدس للاسرة ) في مجتمعنا , الاسرة التي تسعد وتشعر بالغبطة لمجرد دخول مجموعة الرجال ( الخطابة بتشديد الطاء ) !! ومعهم طفل مراهق قرروا أن يدخلوه الحياة الزوجية , ثم تعيش الاسرة ( للفتاة ) أوج سعادتها ( متبختره ) امام الجيران في المحلة ان فتاة من العائلة قد ( زفت ) الى بيت زوجها أو الاصح ( عائلة زوجها ) !وفي ( ستون ثانية ) تأخذنا تهاني محمد في عصفة نحو الشعور بالوقت واهميته , وكيف ذابت أعمارنا مابين الثواني والدقائق والساعات , كيف ان هنالك مبتكرات من حولنا أصبحت تسهم في احراق سنوات من عمرنا دون أن نشعر , وتأكلها مثل الهشيم غير مدركين أننا كنا نعيش العبث بينما كانت فرص أستثمار هذه التي لاتعوض من اعمارنا امامنا وفي متناول اليد . ( جرحي ينبت أزهارا ) شحنة من الامل والتفاؤل والدعوة للاقبال على الحياة , نحن احيانا لانصنع اقدرانا , بل أن المحيطين بنا ولعلهم من أقرب الناس يضعون دون أن يشعروا لنا قدرا ويقحموننا في سوداوية الحياة وجانبها المظلم , يسلموننا كالاضاحي الى سكاكين الدهر ويتنحون جانبا حتى دون ان يلتفتوا , نقف حائرين فنجد أننا لازلنا محظوظين حينما يقف اخرون ليأخذوا بيدنا ويعلموننا بأن الحياة لازال فيها متسع وفسحة , وان الصبر ال1ي يجب ان نتحلى به سيثمر ويزهر . ولانها سبق وان أختلست من غفلة الزمن الملىء بالروتين والعمل والدراسة فسحة لممارسة الكتابة فقد ( تمنت ) الطبيبة الكاتبة تهاني محمد ( كما أعانت في داخل سطور كتابها ) لو انها تستطيع ان تضع نهايات سعيدة لكل القصص التي سيتيح ماتبقى من العمر والزمن كتابتها , تماما كما شهرزاد التي تحكي قصصها ليلا وتختمها صباحا بالفرح والسرور , كم هو بعيد هذا المنال أن يضل الانسان متشبثا بقوة في الحياة التي ينشدها عزيزة له وللاخرين , حياة الهدؤوالسكينة , الحياة التي ارادتها السماء لبني البشر على رقعة محدودة جدا تسمى ( الكرة الارضية ) رغم صغرها ! كفيلة بتوفير قدر لاحد له من السعادة اينما حل الانسان وارتحل , لو أنه حمل في كل صباح قدحين من الماء , واحد يشربة ليسقي به عطش اوردته ويستقبل به يومه , وأخر يسقس به ( نبتة ) وغصن او فسيل نبته ستثمر دون شك مستقبلا مختلفا , وأن هذا الفعل البسيط نعم لو واضبنا عليه وجعلناه روتينا ثم مايحيط بنا ( كما تقول الكاتبة ) يجعلنا نؤمن بأن ( عيش الحياة ليس خيارا مطروحا , فلابد ان نعيش الحياة نعم , لكن الخيار الحقيقي هو كيف نعيشها ) . في منجز الدكتورة تهاني محمد ( في زحام الحياة , مئة وتسعة وعشرين عنوانا ) , تجعلنا نعترف ونسلم بحقيقة قول الكاتبة ( هيلين كيلر ) انه بالرغم من أن العالم ملىء بالمعاناة فأنه أيضا ملىء بالقدرة على التغلب عليها . |