هيثم حسين
صدرت عن منشورات المتوسط ـ إيطاليا، رواية جديدة للكاتب الفلسطيني راجي بطحيش حملت عنوان “يولا وأخواته”. وفيها نجد أنفسنا أمام العديد من التساؤلات. فهل شكل جنون سوسن المفاجئ صيف عام 1982 مقدمة وإشارة للأفول الاقتصادي والاجتماعي والتاريخي للعائلة الممثلة بالجدة القاسية والأم الحالمة أم هو العكس؟ أي أن جنون سوسن كان نتيجة ومحصلة إلهية لهذا الأفول وتلك الانهيارات التي كانت تعصف بكل شيء بنعومة، تلك الانهيارات الحاضرة – الغائبة والبعيدة-القريبة في آن واحد. يدمر ذلك الجنون، المنطق ووهم الكمال في حياة يولا وأخواته، ويتحول ذلك المنطق وسيناريوهات الحياة المرتبة بعناية فائقة للغاية إلى ملانكوليا مزمنة والكثير من الحرية المتعالية والمشرفة على قوانين الطبقة الوسطى وقيمها الصارمة. يموت الأب ثم تموت الأم ليبقى يولا وأخواته مشبوكين سوية، ضمن أوراق ووثائق وأسرار ورغبات غير محكية، وكذا حاجيات وملابس وصور وأحذية وروائح ومفارش الأم الأنيقة وظلال الأب الباهتة. مشبوكين سوية ضمن إرث لا يرحم في عصر يطرده منه بصمت، حيث تبدو ملامح التعاسة مختلفة تماماً عن مكامن الحرية والانفلات الساكنة فيها. الناصرة إذن، مدينة الزمن الفلسطيني الشائك المتبقي. ما الذي سبق ماذا، أو بالأحرى، ما الذي شكل مقدمة ولعنة لما سيأتي؟ من الكتاب:انظر إلى مائدة “إيكيا” المربّعة صغيرة الحجم بإعجاب، تلك التي يمكنها أن تحوي قمامةَ العالم كلّها. ينبع إعجابي من كوني استطعتُ أن أشكّل من تفاصيل أيّامي المتتابعة وغير المتشابهة بليلها ونهارها، ثمّ نهارها وليلها: ليل – نهار – ليل - نهار - ليل - نهار، مُنشأة فنّيّة موحية. أ إلى هذه الدرجة تهافتت الأيّام بانسيابية متناهية، لترتطم بأقدام هذه المائدة التي صارت مرتعاً لكلّ ما لا مكان له في خزانة. لا خزانات في مربّع الوحدة ... كلّ حاجياتي في الخارج، أُعلّقها هنا وهنا وهناك، كما أنها تقع منّي على هذه السجادة، وتلك البلاطة العادية وهذه العتبة، ولكنني أنسى التقاطها من هنا وهنا وهناك. |