عواد علي
في سنوات صعبة، يواجه الحب الأول النقي محنة الفرقة والتآمر والاحتراب، ويكتشف الحبيبان أنهما هاربان من مجرم واحد هو وجه من وجوه الفساد والجريمة، ويقرران، بمساعدة صديقهما الصحافي الشجاع، أن يعيدا الأمور إلى نصابها الصحيح، في بلد نزف كثيرا. ومن أجل ذلك يتحركان بقوة لمواجهة الفساد وكشفه، فتدفع الحبيبة حياتها ثمنا لذلك في عملية اغتيال، بينما يبقى الحبيب منتظرا يوم الخلاص، ممتدحا حبه الأول المعوّل عليه في التصدي للكراهية. من خلال هذه الأجواء المشحونة يعود الروائي العراقي علي خيون، في روايته الجديدة “في مديح الحب الأول”، إلى مسألة الحرب والاقتتال الداخلي في العراق، والتغيير الشامل الذي بدا أشبه بزلزال ضرب البلد عقب الاحتلال الأميركي له عام 2003، من خلال تقنية الرواية داخل الرواية (الميتارواية)، حيث تتشابك الأحداث وتتداخل بين السرد الروائي الإطاري، ورواية داخلية ينجزها كاتب اسمه “سامي محمود” عن هجرته وحبيبته الأولى “مجدولين”. تبدأ الرواية، الصادرة حديثا عن منشورات ضفاف اللبنانية ومنشورات الاختلاف الجزائرية، بموضوع اجتماعي شائع هو ضبط الزوجة المخلصة لزوجها مع امرأة أخرى، وما يمكن أن يسببه ذلك من شرخ كبير في العلاقة الزوجية. والزوجة هنا سيدة اسمها “أميرة” تتأكد من أن زوجها على علاقة قديمة بامرأة تدعى “مجدولين” يصفها بأنها حبه الأول، وكان قد صادفها في رحلة مبكرة إلى الموصل، رفقة صديقه “مناور عاشور”. تبدأ المعاناة في التحقق من أن سامي لم يخن، بل تواصل مع امرأة عرفها مقترنة برجل آخر، وأن ما يجمعهما هو “مناور” صديقه السيء الانتهازي.يقول في استهلال الرواية بما يشبه التمهيد لخوض غمار مشكلة نفسية واجتماعية عويصة “يدرك أنه رجل مخلص لزوجته أميرة، مع أنه كتم عنها قصة حبه الأول لفتاة اسمها مجدولين يحلو له أن يناديها بود: مجد، وكان يقول في نفسه ساخرا: حتى لو عرفت زوجتي القصة فإن الزواج يجبّ ما قبله، وحين رأى مجدولين مصادفة، بعد سنوات من فراقها، وحفظ رقم هاتفها، من دون أن يعرف أي شيء عن حياتها، انتابه شعور غريب بأن امرأتين تدوران في دمه معا”. هنا يبرز التساؤل عن خطورة دوران امرأتين في دم رجل، ويبدو القارئ متحفزا لمعرفة المشاكل التي تنجم عن هذا الخيار الغريب، لكن الروائي سرعان ما يضيء لنا أمرا يحاول من خلاله فض هذا الاشتباك الخطر “أميرة هي أميرة قلبه، زوجته التي يكن لها الاحترام كله. في قلبها الكثير من الحب والرحمة، لكن الرحمة لديها أقوى من الحب، لذا فهي في مرضه وعنائه ورحلة حياته المرهقة، تمنحه الحب والعطف والتسامح والود معا، أما مجدولين أو مجد، فهي حبه الأول المضاع”. حين ضبطته زوجته، لم ينفع “سامي محمود” هذا التسويغ، فقد قالت له بلهجة من نار “عشت قصة حب في مراهقة متأخرة سامي؟ فسارع ليصحح: بل هي حبيبتي الأولى. التفتت إليه بقوة وصاحت: وتقولها في وجهي من دون حياء ولا مراعاة لمشاعري؟”. تكمن مهارة علي خيون في تغيير المسار الروائي إلى اتجاه آخر، فتكتشف الزوجة أن مجدولين تمتلك وثائق خطيرة ضد زوجها الذي هو أحد وجوه الجريمة والفساد في العراق، وأن التنسيق والتواصل، بمساعدة الصحافي الشجاع “معن السامر” يجريان لصالح وطن نزف الكثير بسبب حفنة من الجهلة الذين يحملون مسدسات كاتمة للصوت، ويقتلون أبناء بلدهم، أو يشاركون الإرهابيين بالتفجيرات التي تحصد أرواح الأبرياء لقاء أموال منهوبة. وإذ تدرك “أميرة” ذلك تقف في صف المدافعين عن بلدها.تنتهي الرواية بالانحياز إلى كل ماهو وطني يحاول أن يعيد العراق إلى السلام، سواء من خلال القانون أو الإعلام أو بملاحقة المفسدين والمأجورين الذين شوهوا صورة وطن ارتبط اسمه بالحضارة منذ القدم. وتعي “أميرة” سر مديح الحب الأول، بل سر قوة مجدولين التي ما إن عثرت على حبيبها الأول حتى خطت خطوات جادة لإعادة المسار الصحيح عبر التصدي للسلوكات الخاطئة والانتهازية، حتى ولو قدمت حياتها ثمنا لذلك. تثير الرواية أسئلة شائكة حول الوعي السياسي والاجتماعي في مرحلة انهيار الدولة العراقية، وتصدر النزعات البراغماتية على القيم الوطنية، ويعود ذلك إلى أن كاتبها مثقف يحمل دكتوراه في الفكر السياسي والتاريخ المعاصر، فضلا عن كونه روائيا متمرسا سبق أن أصدر تسع روايات حظيت باهتمام النقاد والقراء، منها “صخب البحر”، “العزف في مكان صاخب”، “رماد الحب”، و”سلوة العشاق”.
|