ياسر سامي الخضري / الحلة
بعد دخوله الجامعة، كانت هنالك فتاة، أعجبتهُ بشكلٍ كبير، حتى أنّه لم يستطع الإجابة عندما تساءل ذات مرّة عن سبب ذهابه إلى الجامعة، أهو للدراسة أم لرؤيةٍ فاتنة العينين تلك؟. و لكن المسكين، لسوء حظّه أنّه لم يكلم فتاةٌ غريبة قط، سوى جارتهُ البدينة تلك، التي كانت قد كسرت يدهُ اليسار مرّة لأنه ضحكِ على نكتةٍ أطلقها أحد أولاد الجيران، الذي كان قد نال نصيبه من الضرب المُبرح و الشتائم التي فاقت عدد الحصى التي كانت ترميها صوبها عندما لاذا بالفرار. و في أحد الأيام كان قد قرر التقرّب إليها قليلاً، و أن يُفصح لها عمّا يخبئه قلبه، هكذا كانت خطّته الجريئة. تقدّم نحوها بخطواتٍ متثاقلة، حتى وصل إليها. كانت تقف هي و كأنها منتظرة قدومه، ثمّ قال: - “ مرحبا “ كانت تلك هي الكلمة الوحيدة التي قالها، و التي كانت بداية لحديثه الذي خطط له أسبوعاً كاملاً، خطةٌ تنتهي بإفصاحه لها عن رغبته في خِطبتها. ثم أردف قائلا، بعدما صمتَ لدقيقةٍ كاملة، حتى أنه لم يسمع ردّها حين رحبت بقدومه. ثم قال: - “ هل أستطيع أن أسألكِ سؤالاً؟ - “ بالتأكيد، تستطيع ذلك. لمْ يعرف ماذا يجب أن يقول بعدها، مع أنّه كان متيقناً من جوابها. - “ في الحقيقة، لم يكنُ سؤالاً و لكنّي أريد القول بأنّي أحبُّ طريقتكِ في الكلام، و المشي، و كيفية قرائتكِ، حتى أنّي دخلتُ المكتبة، تلك التي ترتادينها كلّ يوم، دخلتُ إليها و أخذت كتاباً، ليكونً كتذكرةٍ لمشاهدتكِ تقرأين مع إحدى زميلاتكِ، ولكنّ صاحب المكتبةُ وبّخني لسوء حظّي، فقد كنت أمسكِ الكتابة بشكل مقلوب”. إبتسمتْ قليلاً ثمَ حاولت إخفاء تلك البسمة التي كادت أن تفضحُ إعجابها به أيضاً. - “ لن أنسى تلك اللحظة أبداً، و لكني سوف أخبركَ شيئاً، لم أكن أقرأ الكتاب ذلك اليوم قط، تماما كما فعلت أنت، فقد كنت أكلّم صديقتي عنك، و كيف لحقتني حتى دخلت المكتبة.و كيف مشيتَ على بُركة الوحل تلك التي خلّفتها أمطار الأمس عندما انتبهت بأنّي كنتُ أنظرُ إليك، حسناً و أنّا أعتذر لك عمّا سببتهُ لك حينها” دخلت إلى قلبه موجةٌ من الفرح والدهشة، كما أنّه استعاد قواه قليلاً، وحاول العودة إلى خطّته تلك. - “ لقد أصبحتِ سبباً وحيداً يدعوني إلى الحياة، و مصدراً وحيداً للسعادة، أصبحُ على طيفُ وجهكِ كلّ صباح، ضحكتكِ تلك تسرقُ مني نومي لعدّة ليالٍ لاحقة، و صوتكِ ذاك الذي يُخرسُ كل شيءٍ سواه”. لم تنبسْ هي بكلمةٍ واحدة، وبعد لحظاتٍ أوشحت بناظرها عليه بشكلٍ خاطِف و رحلتْ مُسرعة، إلا أنّ تلك النظرة كانت كافيةٍ لتبوح بالجواب المُنتظر. و بعد أيام قلائل .. حسناً، خطته تلك قد نجحت. |