العنف نقطة اللاعودة ---------------------------------- شيماء رحومةnbsp منذ فترة قصيرة ونخب من المجتمع المدني والجمعيات والناشطات النسوية والعالم بكل ملله ونحله تندد بالعنف ضد المرأة، احتفالات متعاقبة بيوم عالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، ضد الرجل، وضد الطفل، ومع ذلك لا يتوقف العنف بل تسجل الإحصائيات السنوية ارتفاعا كبيرا ومستمرا في أعداد المعنفين، ولكن لماذا ما دامت الأصوات الداعية للسلام لا تفتأ تصرخ في المحافل الدولية والشوارع وأمام الكاميرات العملاقة لا للعنف؟ بكل بساطة لأن العنف الحقيقي يكمن في موضع أعمق وأبعد مما نراه داخل باحات المحاكم أو بين أروقة المستشفيات أو على المنابر الإعلامية أو بين جنبات المنصات الاجتماعية، فهذا السوط المسلط على الأجساد الطرية والذي يحفر عليها مآسي أقلقت مضاجع الكثير من العوائل، موجود أساسا بدواخل كل منا ضمن عنف مسلط على الذاتوبمعادلة صغيرة نجد أننا نعيش شرخا يحوّل ما بذواتنا إلى تناقض متغلغل ومتشعب يجعل كل شخصية منا منفصمة إلى متضادين، ألسنا حين نضحك نخاف أن نبكي ونجد لسان حالنا يردد “اللهم اجعله ضحك خير”، وحين نحب ندنس لحظات الوصل والعشق بالخوف من الفراق والكره وتساورنا الشكوك والظنون ونرحل بالخيال بعيدا ونحبك قصصا وروايات يتعفف منها إبليس وأهله أجمعينتعودنا أن نتقاسم لحظات التفاؤل بالتشاؤم والأمل بالظلام والحب بالكره والفرح بالحزن واليقين بالشك والعلم بالجهل، وكل هذا أفضى إلى الانشطار بين اللين والقوة، بين السلاسة والعنف، وهذا الأخير حصيلة كل هذا التباين في مشاعرناولو حاول كل فرد أن يبدأ من نفسه بأن يضع يدا على مكامن الكره والحقد والحنق فيه ويجتثها من جذورها لقبر العنف وحل السلام بين أسر تعاني شتاتا ويعيش أطفالها أسوأ حالات اللجوء التي عرفتها البشرية على مر العصور فلا زوجة الأب تقبله ولا زوج الأم يحبذه ولا الجدة تقاوم رعونته وانفلاته الصبياني. فقط على كل إنسان أن يتبصر في كلمات الإمام علي بن أبي طالب “دواؤك فيك وما تُبصر وداؤك منك وما تَشعر وَتزعم أنك جرمٌ صغير، وفيك انطوى العالمُ الأكبرُ”، حينها سيجد العالم ترياقا شافيا لهذه الظاهرة المتفشية في المجتمعات. إفراغ شحنات الغضب والشهوة والرغبة في الإيذاء على أجساد الآخرين الضعيفة لا تعني أننا تخلصنا تماما من ثقل هذه المكبوتات بل لعلنا نعمق آثارها فينا ونصير أكثر تعطشا للمزيد أو نصبح أسرى الندم والشعور بالذنب ونقبع في غياهب سجون النفس القاتمة.ولا يمكن أن تفضي بالضرورة جملة المظاهرات التي انطلقت، مؤخرا، في عدد من المدن العالمية احتجاجا على العنف ضد النساء، إلى النتائج المرجوة.ردد الآلاف من الرجال والنساء “لسنا خائفين” خلال مسيرة بالعاصمة الإسبانية مدريد، منذ أيام، فهل هم فعلا ليسوا خائفين؟ ولكن ممن، من المجرم أم الضحية أم من أنفسهم؟ على الجميع أن يراجع مسلماته وأن لا يكون مجرد وعاء أجوف يمتلء بخلفيات دينية واجتماعية تغذي نزواته، وأن يتحرر من قمع ذاته وأن يكون طبيب نفسه عندها سيتوقف بحر الأحبار المسالة وتصمت أجراس الخطر ويعم الهدوء والسكينة منازل وأقطارا وتلتئم الجراح الغائرة. فالعنف نقطة اللاعودة وبداية الانفصام عن النفس. ---------------------------------- المقـالا أضيف بواسـطة : admin التقييـم : 0 عدد المشـاهدات : 1736 مرات التحميـل : 0 تحميـل هذا اليوم : 0 تاريخ الإضافـة : 28/11/2017 - 21:50 آخـر تحديـث : 14/03/2024 - 12:36 التعليقـات : 0 رابط المحتـوى : http://almustakbalpaper.net/content.php?id=35931 رقم المحتـوى : 35931 ---------------------------------- صحيفة المســتقبل العـراقي AlmustakbalPaper.net