السوداني: حزمة مشاريع فك الاختناقات المرورية ستسهم في التقليل من هدر وقت المواطنين AlmustakbalPaper.net وزير الداخلية يناقش تطوير العمل في مواقع تسجيل المركبات AlmustakbalPaper.net مجلس النواب يصوت على توصيات لجنته بشأن فيضانات دهوك وتعديل قانون العقوبات AlmustakbalPaper.net طلب برلماني الى السوداني بمنح عيدية 100 ألف دينار للمتقاعدين AlmustakbalPaper.net صندوق استرداد أموال العراق يعيد قرابة (7) مليارات دينار لوزارة المالية AlmustakbalPaper.net
مـؤمـن سـمـيـر .. والـسـيـر عـبـر أزقـة الــدهـشــة
مـؤمـن سـمـيـر .. والـسـيـر عـبـر أزقـة الــدهـشــة
أضيف بواسـطة
أضف تقييـم
قراءة / أشرف قاسم

يفتح مؤمن سمير في ديوانيه اللذين صدرا مؤخراً “ إغفاءة الحطَّاب الأعمى “ و “ حيِّز للإثم “ أفقاً جديداً من الاحتمالات للتاريخ الإنساني وهو يتماهى في نصوصه مع قضية الوجود الإنساني في شتَّى حالاته ..اللغة هنا وفي هذين الديوانين تحديداً ذات دلالات متشعبة ، تنطلق من الذاتي المعاش إلى الآخر عبر حركات دلالاتها المتعددة لتخلق مساحات من الرؤى التي تصنع وشائج قُربى بين الإنسان وأخيه الإنسان . تلك اللغة برمزيتها وانزياحاتها البلاغية تضعنا في مواجهة أمام رؤية الشاعر المؤرقة لهذا العالم القلق الذي يمارس القمع والتسلط على الإنسان :
لن أجرجر قدمي إلى المخفر
فلتقتلني أولاً
وعلِّقْ جُثَّتي
على الحائط الخلفي
وادعو البوم والريح
والديدان
إلى وليمةٍ تليقُ
بصخب الحفرة المجاورة ... ص53 “ إغفاءة الحطاب الأعمى”
كما أن اللغة عند مؤمن سمير هي فضاء تتجاور فيه مفرداتُ الكون في تناغم يرتقي من خلاله الشاعر إلى أقصى آفاق الروحانية السامية ، دون الوقوع في أسْرِ الجذبِ الصوفي بمعناه المجرد : التحيات والبركات والأشواق ، والصوفَ الذي ستمنحينه العابرَ ، فوق النهر ليصطاد بريقَكِ كلما مرَّ بقلبِ الغابةِ رُعباً من تلصص السماء ... ص 5 “حيز للإثم”
كما ينهمر الإيقاع الداخلي في لغة مؤمن سمير المتبتلة كانهمار الغيث ، حاملاً كل تناقضات النفس البشرية ، من حب وكُرهٍ وإقبال ونفور وقُربٍ وبُعد وشكٍّ ويقين ... يلتبس المعنى أحياناً التباساً متعمداً ليُربكَ المتلقي حتى يصل به إلى شاطئ اليقين :
إذا ضاعت الظلالُ ، أو ضربتها صدمةُ نورٍ
فالصورة زاهيةٌ في الخزانة ، تحت عظامكِ
وإذا نَضَّبتُ أنا احتمالاتي
أفوز ، وأركضُ 
أركضُ 
نحو انتظارك ... ص 48 “حيز للإثم”
ربما هو سبيل من سبل البحث عن الخلاص ، الخلاص بالعشق ، والانعتاق بالمحبة ، واللَّذَّةِ الكامنة في جلال الأنثى ، وبهاء الجسد أحياناً :
التماثيل تلاحقنا وتقول حقي في شهقاتكم
أنتم الذين دَقَقْتُم على خلفية الحوافِ أصواتاً
وشجراً لرعبِ الجَدِّ ، فانهمرتُ
لم أطمح لبابِ المدينة الضَّاجِّ بثدييكِ ولا كوني
مستحق لبعضِ الخوف كلما يجوسُ في أسفلكِ لساني ... ص 45 “حيز للإثم”
هذا الانشطار الهائل في الروح لا يتَّحدُ إلا بالتوحد بالمحبة ، تلك المحبة هي الاكتمال ، أعني اكتمال الوجود ، حتى ولو بأوجاعه الغائرة :
لكني أيضاً
أتجدَّدُ فيكِ
كل صباح
وأرسم لكِ على كل درجةِ سُلَّمٍ
ضحكةً منطلقةً
وسيرةً مُتخمة
أغني من جسدٍ قديم
يتفتَّتُ وأنتِ تكنسين اللُّهاثَ
وتلُمِّينَه في كيسكِ
المدفون
بعيداً عن الزوابع ... ص 48 “إغفاءة الحطَّابِ الأعمى”
كما تتضح بجلاء مشهدية اللغة الشعرية لدى مؤمن سمير ، تلك المشهدية التي ترسم الصورة الشعريةالبعيدة عن المألوف لحركة و ديناميكية الحياة الدائبة بكوادر بصرية متعددة من عدة زوايا ، وانزياحات منفلتة من إسار العادي والمستهلك بحثاً عن بؤرة جديدة لرصد الألم الإنساني بتشكيلاتٍ مبتكرة ، وعبر لقطاتٍ متنوعة ، إيغالاً في الرؤية المؤثرة بشتَّى مناحيها ، السيكلوجية والنفسية والاجتماعية والثقافية ، هذا التشكيل الدرامي للنص / المشهد / هو ما يعطي نصوص مؤمن سمير هذا الزخم وتلك الحيوية التي قلَّما نجدها في قصيدة النثر بمعناها الحقيقي :
بالأمسِ ربيتُ أملاً ، من الصباح للمساء
كي أحلم بالذي رماه ومضى
مرَّ وهو يحطُّ الصمتَ على أهدابه ليملأ المكان بالسر ...
لكني التقطتُ المشنوقين في السقف جوار طريق النمل
وقبل رقص الجيران ، قال لا تشبه المصفاة بعد الآن
عيونها تضيق وتلهث ، وقلبها مشغول
بالسيل المهووس بالسَّدِّ ... ص 82 “حيز للإثم”
كما أن غواية سرد التفاصيل الدقيقة والشائكة تُعَدُّ أحد أهم ملامح نص مؤمن سمير ، تلك التفاصيل التي تضع المتلقي في مواجهة صارمة وصادمة مع كل ما يحيط به من مفردات الوجود وتفاصيل الحياة اللاهثة ، ولذا نجده يحتفي بالموت والإثم منذ عتبتَيْ ديوانيه “ إغفاءة الحطاب الأعمى ، حَيِّزٌ لِلإثم “ ، وربما يعود هذا لإحساس الشاعر / الإنسان / باللاجدوى أمام رؤية أحلامه المجهضة ، ومن هنا تشع نبرة المفارقة والسخرية المريرة والقلق الموار الذي لا يهدأ عبر نصوصه المتعددة :
أسند ظهري على خوفي وأبُصُّ
فأجد الرمال تشد عزمها
تلصق عيناً
وبطناً
وذكرياتٍ و مقبرةً
ثم الرمل أسنده على شهقته
فأجدني بلا صيفٍ
ولا بحرٍ
ولا سكَّةٍ تلفُّ حول أريجها
أشوفني أهبط وأهبط ... ص 59 “إغفاءة الحطَّاب الأعمى”
و هكذا يسير بنا مؤمن سمير عبر نصوص ديوانيه في أزِقَّةِ الدهشة لنكتشف معه سوءات الحياة ، وهو يخلق معناه و ينشئُ مبناه الشعري الشامخ بعيداً عن الغنائية الممجوجة والفلسفة الجامدة ، في منطقة بين بين ، منطقة تخصه وحده ، تتسع رقعتُها لتحلق طائر الشعر المسحور الذي يمطرنا بوابل من أناشيد الحياة ، ومن هنا يأتي الإيقاع الصوتي لديه متوازناً ، فلا هو بالخافت ولا هو بالزاعق ، إيقاع منتظم كانتظام أنفاس الحياة رغم ما تعج به من مآسٍ :
أتعرق كثيراً
كلما تأخرت عليَّ الحياةُ
المنقوشة في خريطة الشحاذ
وكلما ركَضَتْ وكلما شالتْ نفسَها مِن عَلَيَّ
ويوم يبتسم الربُّ الطيبُ
ويمتزج الماءان
سوف أرسم سماءً
لعيون المحبة ... ص121  “ حيز للإثم”
وفي النهاية أقرر أن هذه إطلالة مختصرة على عملين مهمين في مسيرة قصيدة النثر لمبدع يستحق وتستحق تجربته الطويلة أن نتوقف لديها طويلاً لِما تحمله من دوالٍ وملامح ومضامين فنية كثيرة وجرعاتٍ مكثفة من الإبداع الفارق والمتعة التي بلا حدود .
* “إغفاءة الحَطَّاب الأعمى”، شعر ، مصر - دار “روافد” 2016
“حيزٌ للإثم”،شعر ، مصر- دار “بتَّانة” 2017 .
رابط المحتـوى
http://almustakbalpaper.net/content.php?id=36155
عدد المشـاهدات 3371   تاريخ الإضافـة 06/12/2017 - 18:07   آخـر تحديـث 25/03/2024 - 00:59   رقم المحتـوى 36155
محتـويات مشـابهة
مـن كـل الأزقـة
عـبـرَ دائـرة الـتـلـغـراف
نـانـسـي عـجـرم: أنـا «فـانـز» لـسـمـيـرة سـعيد
«داعــش» يـطـرق أبـواب الإقـلـيـم عـبـر «الـمـســاجـــد»

العراق - بغداد - عنوان المستقبل

almustakball@yahoo.com

الإدارة ‎07709670606
الإعلانات 07706942363

جميـع الحقوق محفوظـة © www.AlmustakbalPaper.net 2014 الرئيسية | من نحن | إرسال طلب | خريطة الموقع | إتصل بنا