قراءة : أشرف قاسم / مصر ينهمر الشعر ، وتسيل أنهاره ، وتتنوع ألحانه الصادحة ، في حضور المرأة و في غيابها ، طمأنينة العاشق محكومة برضا المعشوق ، وقلقه مستمر في الحضور وفي الغياب ، المرأة هي الفضاء الرحب الذي يسع جنون الشعراء ويسع صورهم وأشواقهم الظامئة . في ديوانيه “ جلال الأشجار “ و “ رقيات “ سنرى كيف تحولت المرأة عند علي بافقيه إلى أيقونة و محور تدور حوله كل مفردات الوجود ، وتحتشد حوله كل تفاصيل الحياة لتنتظم الأفلاك على يديها كانتظام العقد تلك المرأة الغامضة ذات الأطياف الدلالية الرحبة ، هذا الرمز المضمر الغامض الذي يفتح وعي المتلقي ليتخيل ما يشاء : سميتها رقية همت لها من أول الصحراء حتى آخر الجبل ! ص27 رقيات سنرى هذا الترابط الثلاثي بين العاشق والمعشوق والمكان في أغلب نصوص بافقيه ومن هنا تنشأ تلك العلاقة الجدلية بين النص والمكان : لها شقة في الخُبَرْ ولها أربعٌ مِن صغارِ القَطا ولها صوتها يتدفق شُؤْبوبُها ولها ما تشاء مِن الياسمين ص 31 رقيات يقيم بافقيه علاقة مع العالم بمفرداته المحيطة وتفاصيله الدقيقة التي يراها بعين العاشق ، ولعل ذلك محاولة منه للانعتاق من أسر الحدود والأسوار بحثًا عن الحب الذي يعني له أسمى درجات الحرية : كم امرأة خاصرت راحتي منذ مليون عام كم امرأة مَشَّطَتْ أضلعي في المرايا كم امرأة في بلاط الحدائق فَزَّتْ على نَفَسي كم امرأة عَبَرَتْ بي الرصيفَ وغابت ففتشتُ عن أضلعي في عراء الشوارع ص 92 جلال الأشجار ومن هنا نرى أن بافقيه يرسم صورًا متكررة ومختلفة لتلك العلاقة الشخصية مع المكان / المرأة / دون الوقوع في أسر الخطابية او المباشرة الفجة ، بما يكتنف هذه العلاقة من مشاعر متباينة من الحب والفقد والوحشة والشوق والأمل والرجاء وغيرها : من دهور أشد بطون الإبل وأشق بطون الرمال إلى امرأة في الجبال البعيدة إلى امرأة في البحار البعيدة إلى امرأة في الرمال البعيدة إلى امرأة في الهواء الرشيق الذي أتنفسه في الحقول البعيدة ص 59 رقيات كما ان هذه اللغة الناعمة الرقراقة التي تسيل كالنهر العذب تصنع جسرًا بين نص بافقيه والمتلقي دون عناء ، فيتماهى مع النص ومع تلك الثنائية التي يرسمها الشاعر / المرأة ، المكان / ولقد نجح بافقيه في أن ينفث روح الحياة في المكان فتشعر و أنت تقرأ نصه أن المكان كائن حي ينبض و يتكلم و يشعر و يحس بأوجاع الشاعر : هل تعرفين “ المَلَزَّّ “ نهارَ المطرْ نهارَ أسيرُ وبي رغبةٌ لِعِناقِ الشجرْ لقد جَرَفَتني ولم يبقَ مني سوى حجرٍ سالْ ص 91 جلال الأشجار كما تعود حيوية المشهد الشعري عند بافقيه إلى طزاجة الصورة الشعرية وابتعادها عن النمطية والتكرار ، وتوظيف الدراما في فضاء النص مما يسهم في تدفق النص دلاليًا بشكل واضح مِن صَبا يترقرقن بين المياهِ ونحلِ اليمامةِ يُخْلَقْن يُرهِفُ طينُ الجزيرةِ يربو ، وفي شغفٍ يَشْرَئِبُّ فيطلعنَ مِن طَلْعِهِنَّ سلامٌ عليهنَّ ص 12 رقيات هذا الطابع الرومانسي الذي يصبغ به الشاعر المكان ما هو إلا صدى لما تمور به روحه من محبة لكل مفردات الوجود التي يراها الشاعر من خلال رؤيته الشعرية : تسيرين في جسدي كالمياه السحيقة تبنين متكًأ في الهواجسِ أو تنصبين بقارعة القلب خيمتَكِ الشجرية ص 87 جلال الأشجار نستطيع إذن أن نقول بأن بافقيه يرى المكان / الوجود / من خلال المرأة التي تضفي على المكان سحرًا و رقةً و أُنسًا ، فالمرأة هي ينبوع الحياة ورمز الخصب والنماء ومنها تتفجر الحياة |
العراق - بغداد - عنوان المستقبل