دلع المفتي في جلسة عائلية وعلى سبيل الدعابة، قلت لأولادي: لو كانت موضة السوشيال ميديا موجودة عندما كنتم أطفالا، لكنت أصبحت مليونيرة من ورائكم. فجأة انتفض ابني غاضبا: لو فعلتها يا أمي لكنت كرهتك ورفعت عليك قضية عندما أكبر. فاجأتني حدة رد فعل ابني، سألته، فقال: أنا لا أفهم كيف يسمح للآباء والأمهات باستغلال أولادهم بهذه الطريقة، هؤلاء أطفال وليس لهم يد في ما يحصل لهم، وللأسف أهاليهم يستعرضونهم ويستغلونهم ويقتلون طفولتهم امام الكاميرا طمعا بالمال والشهرة، ماذا لو كبر هذا الطفل وقرر انه لا يريد كل هذا الذي حصل له؟ كيف يستعيد طفولته المخطوفة؟ كيف يعيش عمره البريء مرة أخرى؟ إن ما يفعله الآباء هو جريمة بحق أبنائهم.. ويجب أن يحاسبوا. في الحقيقة أسعدتني وجهة نظر ابني، فما نراه اليوم من مناظر على وسائل التواصل الاجتماعي، يندى لها الجبين؛ آباء وأمهات يقدمون أبناءهم للفرجة في حسابات مفتوحة للعامة عبر تصوير كل تفاصيل حياتهم من الاكل والشرب إلى الاستحمام والنوم والأسوأ عبر الرقص والغناء والاستعراض. منذ أيام، مرت علي صورة اقشعر لها بدني وحفزتني لأكتب هذا المقال، طفلة لا تتعدى الخامسة تلبس ملابس مزركشة تكشف عن أجزاء من جسمها (بشكل قميء)، تضع مكياجا كاملا وهي ممددة على فراش. طبعا هناك من ألبس تلك الطفلة ومن وضع لها المكياج ومددها في تلك الوضعية ثم صورها ونشرها، ولو كنت مسؤولة لكنت ألقيت القبض على أهل الطفلة بتهمة انتهاك طفولة وخصوصية قاصر. الأطفال أصبحوا بلا طفولة، بعد أن سلخت براءتهم على جدران السناب شات والانستغرام، وأمام الكاميرا وملايين المتفرجين. فالطفل المشهور لا يمكنه أن يعيش حياة طبيعية كما بقية أقرانه، ولنا في أطفال الفن الذين لجأوا إلى الكحول والمخدرات وحتى الانتحار، أفضل عبرة. عدا عن أن الشهرة تسبب الغرور والإحساس بالفوقية لدى الطفل مما يعزله عن أصدقائه ويجعله كئيبا تعيسا. علينا أن ندرك أن الأطفال لا ذنب لهم في ما يفعله أهلهم، فهم لا حول لهم ولا قوة، وليس لديهم خيار في أن يرفضوا استغلالهم من قبل والديهم، الذين بكل وقاحة ينتهكون حقهم في طفولتهم ويستغلونهم لكسب المال والشهرة لأنفسهم. كانت أمهاتنا وجداتنا يخفن على أطفالهن من نسمة الهوا، وكن يخفينهم عن الأعين لشهور إن لم يكن لسنوات، الآن نرى الأمهات والآباء يستعرضون أدق تفاصيل حياة أولادهم أمام الملايين دون خوف أو حتى خجل، فالطمع وحب المال جعلاهم يضحون بأولادهم ويدفنون طفولتهم من أجل حفنة من الدنانير وبعض الهدايا. هناك ضرورة ملحة لقوانين صارمة ضد أي انتهاك لحقوق الطفل ومنع أي أحد، وإن كان الوالدين، من القيام بأي عمل ينتهك كرامة الطفل ويستغله ويضره سواء كان نفسيا او جسديا أو اجتماعيا.
|