رئيس الوزراء: العراق يمتلك علاقات متميزة مع إيران وأمريكا AlmustakbalPaper.net الرافدين يعلن منح وجبة جديدة من قروض مبادرة «ريادة» AlmustakbalPaper.net المندلاوي يؤكد على أهمية الإسراع في استكمال خطوات تفعيل طريق التنمية AlmustakbalPaper.net وزير الداخلية: العراق يشهد تراجعاً كبيراً بمعدل الجرائم و3 مسارات لعملية حصر السلاح AlmustakbalPaper.net وزير الدفاع: وقعنا عقوداً مع أمريكا في مجال الدفاعات الجوية AlmustakbalPaper.net
كـيـف تـقـرأ الـروايـة الـمـصـورة.. بـغـداد «الـجـديـدة»؟
كـيـف تـقـرأ الـروايـة الـمـصـورة.. بـغـداد «الـجـديـدة»؟
أضيف بواسـطة
أضف تقييـم
طارق إمام
في ربيع عام 1988، أقدم نظام البعث العراقي على جريمةٍ إنسانية، عندما شن هجوماً كيميائياً بغاز سام على بلدة حلبجة الكردية. لخّصت الجريمة صورة فوتوغرافية دالة، لجثتي أم وطفلتها، انكفأت فيها الأم على جسد طفلتها محتويةً إياه: ذراعٌ ميتة تطوِّق جسداً سبقها للعالم الآخر، وعناقٌ سريره التراب. 
الصورةُ التقطها مصور الحروب التركي ذو الأصول الكردية «رمضان أوزتورك»، لتصير الصورة الأكثر رمزية على وحشية ذلك الهجوم الإبادي.  كان رجل أعمال هولندي، فرانز فان إنرات، هو مَن وفر شحنة من الدرجة الأولى من «الثايوديغليكول» للنظام العراقي. معلومة كان يُمكن أن تذهب أدراج الرياح للأبد، لولا أن صحافياً هولندياً هو «أرنون غرونبرغ» وضعها بين ظفرين، فيما يقوم برحلةٍ لبغداد، كأنما يتطهر رمزياً من جرم سلفه، ممسكاً بيد الطفلة المغدورة، وكأنه قرر بعثها في الرواية المصورة «من إسطنبول إلى بغداد». الرواية «التسجيلية» كتبها غرونبرغ، ورسمها هولندي آخر هو هانكو كولك، قبل أن تترجمها المترجمة البلجيكية المقيمة في القاهرة تينا لافنت، لتصدر مؤخراً عن دار «صفصافة» بالقاهرة، والمعنية بشكل ملحوظ بفن الكوميكس (القصص المصورة) حيث تنظم سنوياً محفلاً عالمياً للكوميكس في القاهرة.
ليس «ألن غرونبرغ» صحافياً وحسب، فهو روائي ومسرحي وكاتب سيناريو في نحو السابعة والأربعين من العمر، (ولد في أمستردام عام 1971)، وتحفل حياته بسيرةٍ مثيرة، إذ هجر التعليم خلال المرحلة الثانوية مقرراً التفرغ للكتابة والنشر، حتى أنه أسس دار نشر وهو في التاسعة عشرة من عمره، وأصدر روايته الأولى وهو بعد في الثالثة والعشرين من عمره. لكي يحول هذا «الريبورتاج» إلى روايةٍ مصورة، كتب غرونبرغ رحلته كسيناريو، رسمه رسامٌ من جيل آخر، هو «هانكو كولك»، المولود عام 1957، والذي أصدر عدة ألبومات كوميكس في هولندا، فضلاً عن كونه رسام كاريكاتير ومصمم أغلفة. هكذا اختار «غرونبرغ» فن الرواية المصورة وسيطاً لتسجيل رحلته، في نصٍ «تسجيلي» لن يخلو في روحه التقريرية الواضحة من خطٍ تخييلي، يترجمه حلم يقظةٍ طويل، يمسك فيه الصحافي بيد الطفلة المغدورة التي ثبتتها صورة «أوزتورك» طوال الرحلة، يبعثها بمخيلته ليجسدها كإحدى شخوص هذه الرواية، ممسكاً بيدها الميتة، يدها التي من تراب.
عبث الرحلة.. نزق الصورة
رحلة برية طويلة، تبدأ من إسطنبول حتى بغداد، يقطعها غرونبرغ، صحبة مترجمة تركية هي «غولا»، ومصورة فوتوغرافية، وسائق. من أجلها، يتخلف عن تسلم جائزة كبيرةٍ في لاهاي عن مجمل أعماله، يترك كرسيه الاحتفالي شاغراً فيما أعضاء لجنة التحكيم يكيلون المديح لمنجز الكاتب. إنها المفارقة الأولى في هذه الرواية، التي تنطلق من المشهد الاحتفالي لنخبةٍ أوروبية في قاعةٍ فخمة تنتظر حضور الكاتب ليتلقى التصفيق، فيما هو نائمٌ في غرفة فندق صغيرة بإسطنبول انتظاراً لبدء رحلة قد تودي بحياته. مفارقة ساخرة بين المقعد الأوروبي الوثير الخالي أمام جمهور ينتظر، ومقعد قطار البضائع «الشرق أوسطي» الذي سيستقله الكاتب نفسه موخوزاً بضميره، إذ يحاول التطهر من ذنبٍ غامض، كون أحد مواطنيه هو من أمد نظام «البعث» العراقي بالمادة الكيميائية التي ستبيد وتشوّه بلدةً كاملة.  
لن ينقطع خيطُ السخرية المُرة عن هذه الرواية/ التقرير، خيطٌ سيلتقطه الرسام بدوره بينما يقدم صورةً هزلية لكل شيء، بخطوط سريعة، وبكادراتٍ مرتجلة لا تحافظ على سيمترية كادرات «الكوميكس» المرتبة في مربعاتٍ نظامية، ولن تُعنى حتى بمد ذيل البالون الذي يضم الحوار نحو فم قائله، تاركاً للمتلقي أن يخمن بنفسه من أين ينبع الكلام. يعمل الرسام وفق حريةٍ كبيرة في التعامل مع الصفحة كفضاء، وبانفلات ممض من نظامٍ لن يلائم دلالياً نصٌ يحاول قراءة الفوضى من الداخل، ما يجعله يفرد كادراً واحداً على صفحتين، فيما قد تزدحم صفحة واحدة باثني عشر كادراً متلاصقة حد وجود صعوبة في قراءة بنط الكلام الصغير. أيضاً ينوع الرسام من أساليبه داخل الرواية نفسها، فبينما تبدأ بمراوحة بين خطوط التحبير السوداء وتظليلٍ فاتح باستخدام الرمادي، فإنها مع الثلث الأخير تعتمد على التظليل بالأسود، في تجريدٍ واضح للشخصيات والأمكنة وكأنها باتت أشباحاً تلتهم الظلمةُ نورها.
المحطات تخلق أبطالها 
مع كل محطة، تطرأ شخصية، كموضوعٍ لمقابلةٍ سريعة مع الصحافي. شخوص هذه الرواية «محطات إنسانية» إن جاز التعبير، ومثل المحطات، لا تحتمل سوى وقفةٍ سريعة قبل المغادرة، وقفة يبقى أثرها رغم ذلك، كأنها دهرٌ موسوم بالزوال.
شخصياتٌ حقيقية، هي مصادر هذه «الرواية»، تُدلي بشهاداتها، في عدد قليل من الكلمات، لكن في استخلاصات شديدة الدلالة. أول المصادر هو المُصوِّر التركي «رمضان أوزتورك»، صاحب الصورة الفوتوغرافية للأم المنكفئة وقد احتضنت طفلتها في الموت. يُقدم «أوزتورك» «روائياً» كشخصيةٍ نرجسية، فهو مبدئياً شوفيني «لا يريد أن يتكلم الإنكليزية» رغم قدرته على ذلك. أولى عباراته للصحافي هي «انظر، التُقطت هذه الصورة من زاويةٍ مختلفة، أترى؟». إنه صورة نابضة لشخصٍ يمتهن الحرب إن جاز التعبير، يجرد العمل من بعده الإنساني منشغلاً به كموضوع، حد أن الصحافي يسأله، عبر المترجمة، «ما الدور الذي تلعبه الجماليات في عمله؟ هل يتعلق تصوير الحرب بالجمال في المقام الأول؟». سؤال إستطيقي، يغزو التتابع لينقله لمنطقة السؤال، لكن المصور يرد برباطة جأش، دون أن يغفل، مجدداً، الإشادة بعمله: «عندما تقف بين الجثث، فإنك لا تفكر في الجماليات. صوري الأكثر جمالية هي كذلك لأنها الأكثر طبيعية. لم أفعل شيئاً مفتعلاً»». ظهور «أوزتورك» سيخلق تحولاً درامياً في الرحلة، في الحقيقة هو من سيمنح النص التقريري بعده التخييلي، إذ لن تفارق صورة الطفلة من بعد هذه المقابلة مخيلة «غرونبرغ»، ليظهر في ما تبقى وهو ممسك بيدها، يتبادل معها الحديث، وليمتزج واقعه الداخلي بواقعه الخارجي الذي لا يلحظ هذه الدرجة من التوحد. ينهي أوزتورك «دوره» في النص بعبارةٍ استخلاصية، توضع بجانب صورة له شخصياً بينما يمسك بكاميرته في إحدى الحروب: «غرور الرسول سيُنجّي رسالته». إنها عبارة تنقل مستوى خطاب المُصور من التعليق للاستخلاص المعرفي، وهي عبارة لا تخلو من شاعرية، فضلاً عن ظلالها، حتى أن غرونبرغ يتبناها كسؤال عميق وغامض: «لا أعرف ما إذا كنتُ سأفلت من هذه الحكمة».  
تسلم شخصية «إسطنبول» الراية لشخصية «أنقرة»، وعلينا أن نلحظ أن كل شخصية تشبه مدينتها، أو تمثل انعكاساً لجوهر شخصيتها، فشوفينية المصور تعكس شوفينية إسطنبول، عاصمة الخلافة التي ما تزال تتذكر ماضيها فيما تتأمل مجد وجهها على صفحة البوسفور، فيما يحل «مراد بلجي»، أحد كتاب الأعمدة، فهو تلخيص لأنقرة، مدينة السياسة التي لا وجود لها خارج طاولات فن الممكن. يبدو خطابه تقريراً سياسياً، لا يعكس شيئاً عن «البني آدم» القابع خلفه: «في الماضي كان لديهم الوهم بأن هناك كماليين مدنيين أيضاً. من الواضح الآن أن جميع الكماليين يسيرون خلف الجيش. القومية هي كل شيء هنا. أي إيديولوجية أخرى تنتهجها لا شيء سوى توابل على السلطة التي تسمى بالقومية». ومثل المصوّر، سيطلق «بلجي» عبارته الاستخلاصية المتجاوزة لرهط الخطاب «الإخباري»، عندما يضيف عبارةً جديدة: «الانتهازية هي الأب الروحي الأفعل لإحراز التقدم».
«التقدم»، هو مفردة محورية في هذا الكتاب، فغرونبرغ لا يكف عن ترديد عبارة تخص العراق:» التقدم هو معاناة أقل». بهذه العبارة يرد على أمه عندما تتصل به مطلع الرواية لتسأله عن سبب تخلفه عن الحفل، ويظل يرددها كأنها شعاره الذي يريد اختباره. عبارة تلخص كل سخرية وهزلية هذه الرحلة، مثلما تلخص كابوس الأوطان العربية، سواء رزحت تحت سلطات قامعة أو استسلمت لأنماط جديدة من الاستعمار.
في حلب تنبثق شخصية جديدة، مصوّر سوري مسيحي هو «عيسى توما»، يبدو تمثيلاً للخطاب الأكثر عدمية وهزلاً في هذا التقرير، بسخريةٍ ممزوجة بالقهقهة، حتى أنه يسأل غرونبرغ بعدمية: «لماذا تريد أن تذهب إلى العراق؟ تتمنى أن يخطفوك؟»، قبل أن يقدم اقتراحاً أفضل: «إذا أردت أن تُختطف فمن اللازم أن تذهب إلى اليمن. يحدث ذلك خلال دقيقتين هناك». خطاب هزلي من مثقف لا تغادر الكأس يده، لكنه في عمقه يعكس إدانةً عميقة للغربي، الذي يتعامل مع الكابوس كنزهة، أو الذي يطمح لاستخلاص المعرفة من الرفات.
في كردستان، تأخذ محطة النص شكلها الأكثر رمزية، إذ يعيد غرونبرغ الفتاة/ الشبح التي ظلت تصحبه لحضن أمها، ويظل يرقبهما فيما تبتعدان، كأنما عادتا للحياة أخيراً، أو كأنه بعثٌ غامض على شرف الاحتفال بعيد النوروز الكردي، عيد بدء الحياة مع بدء العام.
ستحضر «بغداد» كصالة مطار، مكان استقبال ومغادرةٍ معاً، فيما يلخصها غرونبرغ في حفنة عبارات عارية يرصها على شاشة «اللاب توب»: «يقال إن هناك تقدماً في بغداد. جزئياً على ما أعتقد. هناك تقدم حقيقي فقط إذا فُتحت مراكز التسوق الفاخرة وفندق تتوفر فيه المعايير الغربية، أول ماكدونالدز في بغداد. حتى ذلك الحين هناك فراغ».
وكأن لا وجود للمدينة سوى في «مطارها»، كأنها لم تعد أكثر من مكان للغرباء. بوصول غرونبرغ تبدأ عودته، كأن الاستقبال هو نفسه المغادرة، أو، كأن مصافحة المدينة هي بالذات تلويحة وداعها.

رابط المحتـوى
http://almustakbalpaper.net/content.php?id=40953
عدد المشـاهدات 1778   تاريخ الإضافـة 19/04/2018 - 09:10   آخـر تحديـث 15/04/2024 - 23:46   رقم المحتـوى 40953
محتـويات مشـابهة
الاطـاحــة بمبتـز الكتـرونـي فـي بـغـداد
مشكلتنا في استهلاك المواطن للماء.. امـانـة بـغـداد: لاشـحـة فـي مـيـاه الـشـرب
فـتـح طـريـق مـغـلـق منـذ ٢٠٠٧ شـرقـي بـغـداد
بإنتظار تدخل القضاء .. بــلـديـات بـغـداد: لاتـمـلـيـك لـهــذه الاراضـي
بـارزانـي عـن الاتـفـاق مـع بـغـداد: يـسـتـمـر لـثـلاثـة أشـهـر

العراق - بغداد - عنوان المستقبل

almustakball@yahoo.com

الإدارة ‎07709670606
الإعلانات 07706942363

جميـع الحقوق محفوظـة © www.AlmustakbalPaper.net 2014 الرئيسية | من نحن | إرسال طلب | خريطة الموقع | إتصل بنا