رئيس الوزراء: العراق يمتلك علاقات متميزة مع إيران وأمريكا AlmustakbalPaper.net الرافدين يعلن منح وجبة جديدة من قروض مبادرة «ريادة» AlmustakbalPaper.net المندلاوي يؤكد على أهمية الإسراع في استكمال خطوات تفعيل طريق التنمية AlmustakbalPaper.net وزير الداخلية: العراق يشهد تراجعاً كبيراً بمعدل الجرائم و3 مسارات لعملية حصر السلاح AlmustakbalPaper.net وزير الدفاع: وقعنا عقوداً مع أمريكا في مجال الدفاعات الجوية AlmustakbalPaper.net
الحالة الحرجة للمدعو (ك.): الغثيان حين يرسو داخلنا
الحالة الحرجة للمدعو (ك.): الغثيان حين يرسو داخلنا
أضيف بواسـطة
أضف تقييـم
جوان تتر
لا يمكنُ للسرد أن يكون مستعجلاً، وليس بمقدوره ألا يعطي انطباع أن ثمة حكايةً رئيسة في كامل أصقاع السرد إن جاز التعبير هنا، لكن تمكّن الروائي السعودي عزيز محمّد في روايته الموسومة بـ «الحالة الحرجة للمدعو ك» الصادرة عن دار التنوير للطباعة والنشر عام 2017 والمدرجة ضمن قائمة الجائزة العالمية للرواية العربية -البوكر- للعام 2018. أن يجتاز مراحلَ في السرد لينجز أمراً مختلفاً في التقنية الروائية، الشيء المختلف، هو أن لا محور في السرد، أو ربما القول لا نقطةً محوريَّة يرتكز عليها السرد ليصل في المعنى إلى ألقه، شخصٌ ما معتلّ الجسم ولكن متيقّظ الذهن يسردُ حكاية يومه الرتيب دون إشارةٍ إلى مكانٍ أو زمان قطّ، يمرّ الشخوص في حياته وهم على مسافةٍ قريبةٍ-بعيدةٍ عنه، يدوّن انطباعاتهِ عنهم ويمضي في ترتيب الحياة اليومية القصيرة زمنيَّاً، ولكن الطويلة جداً من طرف أنّ المرض يطيل البرهةَ، ربمّا لذلك كانت حالة (ك) حرجة، (ك) كشخصيةٍ رمزٍ لكل إنسان، من الوارد جداً أن يكون أيّ إنسان، حتّى ربمّا القارئ نفسه، المحورُ ليس الحدث وإنّما الذات التي تحاول التأقلم مع شيء غريب عن بدنه. المرض.
المرض مبدعاً: 
روايات وأفلام سينمائية عدّة تحدّثت عن معاناة المعتلِّ بالسرطان، ولكن ما يحدث في «الحالة الحرجة للمدعو ك» من حيث التقسيم الزمني لفترة ما قبل المرض وأثناء المرض، والهواجس التي توجد داخل السرد، تحيلنا ببساطة إلى المعاناة الحقيقيَّة -التي تلمع من خلال السرد الحيوي- لمريض السرطان، حيثُ الأشياء يعتورها السواد، العلاقات الاجتماعيَّة تكون باهتة والمحور الأساسي هو الذات، الأنا التي تراقب بدخيلتها كل ما يجري من أمور تافهة أو مهمّة في لحظات اليوم الواحد، وكلّ شيء يُضفى عليه صفة التفاهة أو (الخراء)، المفردة الأكثر وروداً في أجواء العمل الروائي، المفردة بقساوتها ولا مبالاتها وسوداويتها تحيلنا كذلك الأمر إلى اللا أمل في الشفاء، والانشغال بالكتابة والقراءة واستحضار شخصيَّات من روايات أجنبيَّة كي يكون المرض شيئاً مثمراً حتّى ولو كان مودياً للموت المحتّم، ومن ثمّ تصبح شخصيات تلك الروايات ملهمةً لحياةِ مريض، أو ربما يمكننا القول محاولةُ تقليدٍ للانسجام مع مرضٍ مهلك كالسرطان، ثمّة صنع شيء من لا شيء ها هنا، إن جاز التعبير، فالرواية بمجملها ملاحظة تلو الأخرى عن حياة العمل والأقارب، ومن ثمّ الأسرة الضيّقة المؤلّفة من أخ وأخت ذات شخصية قويَّة وأمّ لا حول لها ولا قوّة، وأخّ يودّ أن يأخذ مكانة الأب الراحل في الانتباه والحذر وحماية أفراد العائلة، وسط لا مبالاة الراوي من كلّ ما يحدث حوله، فالتركيز منصبّ على انطباعات ذاتيَّة وحسب.
لا شكّ وأنّ المرض يؤطّر العلاقة فيما بين المريض وبين العالم الخارجي، تتحوّل الشخصيَّة المصابة بمرضٍ مستعص إلى مُلاحظٍ دقيق لما يجري في الأنحاء، وكأنّ دقَّة الملاحظة تنبت فجأة لتسدّ ثغرةً ما ناقصة داخل التركيبة الفسيولوجية التي تأذَت بفعل المرض لتعوّض النقص بميزةٍ أخرى أشدّ رونقاً وتأثيراً واستجلاباً للطاقة الجوّانيَّة، وهذا ما نجحت الرواية في طرحه، الشخصيَّة المريضة التي –بلغةٍ يغلب عليها طابع البساطة الذكيَّة والسخرية- ترى كلّ أمرٍ وتقوم بعمل توليفةٍ ما غامضةٍ/لذيذة باستخدام اللغة، مزيجٌ ذاتي ما بين شخصيات الواقع وشخصيَّات الروايات المقروءة في وقتٍ سابق من الحياة، رحلة داخلية لحياة ذاتيَّة تضيق شيئاً فشيئاً وتصل إلى ذروتها في أثناء العلاج من المرض، لكن نقطة هامّة تبدو واضحةً خلل السرد، فمن السطور الأولى يخيَّل للقارئ أن الراوي كاتبٌ حقيقي ولكن متكاسل عن النشر: «إني أشعر به، وأنا أكتب هذه الكلمات، هذا المقت المتصاعد داخلي تجاه نفسي كجثةٍ تحترق. هذا هو الثمرة الوحيدة لهذه الكتابة، هذا الخزي الذي يذكّرك أنك فشلت في الشيء الوحيد الذي خُيَّل لك أنّك ستجيده.»، أو ربمّا لن تهمّ الكتابةُ شيئاً في علاجٍ ما مستقبليّ، ومن ثمّ التوتر وعدم الاستقرار ورفض العلاج الحقيقي: «زفاف أخيك نهاية الأسبوع، والاستعدادات تجري على قدم وساق، وأنت هنا تزيد كل شيء صعوبة. ترفض العلاج، ترفض الطعام، فقط تعارض الجميع، ماذا تريد؟»، تأتي كل النهايات على شكل استفسارات وإشارات استفهام تجعل من فضاء التأويل مفتوحاً إلى ما لانهاية. 
الانسان الآلة:
«أعمل هنا بدوري منذ ثلاثة أعوام. فلنسمّها شركة البتروكيماويات الشرقيَّة، على غرار شركة البترول الشرقيَّة التي يعمل فيها بطل إحدى روايات تانيزاكي، وهي تسمية ملائمة لأننا في المنطقة الشرقية الغنية بالبترول من هذا البلد»، المكان والزمان وكأنهما مختلطان مع رواياتٍ سابقة لروائيين مختلفين، تارةً يقفز كافكا وشخصياته بسوداويتها وعجزها الذاتي، وتارةً أخرى تانيزاكي بشخوصه الشاحبة، التوحّد مع شخصياتٍ روائيَّة عالمية بتنا نعرف خلفياتها النفسية وأسماءها ومآلاتها ويُعادُ ذكرها خلال الروايةِ بذكاءٍ سرديّ محبّب!
في الفصل الأوّل من العمل الروائي، تبدو الشخصيَّة وهي تسرد صغرها، واضطرابها الصحي، ومن ثم في الفصل الثاني نراه يستغرق في تأمّل أصدقائه في العمل وشرح صفاتهم الغريبة كآلاتٍ وليس بشر، مقتطفات عدّة من الممكن أن تبين بجلاءٍ قدرة الإنسان في عصرنا الرّاهن على الامتثال للعمل أو ما يطلق عليه باللغة الدارجة (الوظيفة) وما تحيل إليه هذه المفردة من روتينٍ يومي قد يطول لمدة ثلاثين سنة أو أكثر من العمل المتواصل: «فأنت لا تدري متى يعبر المدير بالمكاتب ولا يراك، أو يصل بريد إلكتروني مهمّ ولا تفتحه خلال دقيقة. لم أشاهدهم مرة يأكلون، ومن الطبيعي أيضاً أني لم أشاهدهم يذهبون للحمَّام. وجودهم كله كان مسخَّراً للعمل».
الشخصية الرواية أو التي تدوّن مذكّراتها اليومية داخل العمل الروائي تبدو شخصية مجرّبة وستفعل كل شيء فقط لأجل أن تجرّب، علاقته مع والدته وأخته الأنيقة أو التي تتصنّع الأناقة لمجرّد أنّها زوجة رجل ثري ومدير للبنك، الوظيفة الأخيرة التي تكفي لأن تضفي طابع الثراء المادي في العرف والتقليد المجتمعيّ في كل المجتمعات على وجه التقريب، شخصيَّة تبدو لوهلةٍ ساذجة ومسترسلة في الكتابة والحديث عن التفاصيل، لكن سرعان ما تتبيّن الخلفيَّة الثقافيَّة من خلال المقارنات بين الشخصيات المتواجدة في حياته الضيّقة مع بعض شخصيَّات الروايات المعروفة، يسترسل في إيجاد أوجه الشبه والتباين بينها، وكأنّ القراءة والكتابة عاملان يدفعان للوقوع في فخّ المقارنة فيما بين الخيال وبين الواقع الملموس، ربما هو ردُّ فعلٍ تجاه المرض.
اختار الراوي تفصيل الأحداث خلال أسابيع تصل بمجملها لأربعين أسبوعاً وهي فترة تطوّر المرض ومن ثم العلاج، واختار اللفظة الطبيَّة المستخدمة لعلاج هكذا نوع من الأمراض «أسبوع» ربما كدلالةٍ زمنيَّة، فيعنون الفصول هكذا، الأسبوع 1 والأسبوع 2 وهكذا دواليك، وكأنّنا نشاهد فيلماً سينمائيَّاً متقناً وعامل الزمن أو التوقيت فيه أمرٌ مهمّ، كي تتراصف الأحداث وتكون متساوية من حيث ناحية الأهميَّة، أو ربمّا لتظهر الحالة النفسيَّة بوضوحٍ صارخ، العمل متقَن، لا شيء يمكن القول عنه إنه حشوٌ ما أو زيادة في عدد الكلمات، فالسرد بالنسبة للقارئ وبهكذا لغة يخلق نوعاً من الاطمئنان، كما وتضاف نقطةٌ أخرى، وهي أنّ القارئ سيجد شيئاً من نفسه وحياته الداخليَّة واليوميَّة من خلال السرد بغضّ النظر عمّا إذا كان مريضاً أو لا، ربما هو إعادة اكتشافٍ للذات (ذاتَ القارئ أعني).
«الحالة الحرجة للمدعو ك» تقول حياة أغلب الناس، وكأنّها مرآةٌ لذات القارئ مرّةً أخرى: «إن ما سيملأ الفراغ في ذاكرتي هو الأيَّام الطويلة للعمل، من دون تذكّر واضح للتفاصيل، فقط ذلك الشعور بتبديد الوقت والإنهاك ونقص النوم والنقر المستمرّ على الفأرة».  

رابط المحتـوى
http://almustakbalpaper.net/content.php?id=41106
عدد المشـاهدات 978   تاريخ الإضافـة 24/04/2018 - 08:52   آخـر تحديـث 13/04/2024 - 12:58   رقم المحتـوى 41106
محتـويات مشـابهة
من سنجار .. وزيرة الهجرة تشارك الأيزيديين أفراحهم بمناسبة حلول رأس السنة الإيزيدية
المالية النيابية تعدد فوائد التقاطع الوظيفي: سيكشف الفضائيين ومزدوجي الرواتب
زيدان ورئيس جهاز مكافحة الإرهاب يبحثان إجراءات القبض على الإرهابيين ومحاكمتهم قانونياً
فريق الإعلام الحكومي: تحويل 5 ملايين وثيقة صحّة صدور من ورقية إلى إلكترونية
تشمل 7 ملايين تلميذ وتلميذة.. وزير الصحة يعلن انطلاق الحملة الشاملة للقاح الحصبة

العراق - بغداد - عنوان المستقبل

almustakball@yahoo.com

الإدارة ‎07709670606
الإعلانات 07706942363

جميـع الحقوق محفوظـة © www.AlmustakbalPaper.net 2014 الرئيسية | من نحن | إرسال طلب | خريطة الموقع | إتصل بنا