السوداني: حزمة مشاريع فك الاختناقات المرورية ستسهم في التقليل من هدر وقت المواطنين AlmustakbalPaper.net وزير الداخلية يناقش تطوير العمل في مواقع تسجيل المركبات AlmustakbalPaper.net مجلس النواب يصوت على توصيات لجنته بشأن فيضانات دهوك وتعديل قانون العقوبات AlmustakbalPaper.net طلب برلماني الى السوداني بمنح عيدية 100 ألف دينار للمتقاعدين AlmustakbalPaper.net صندوق استرداد أموال العراق يعيد قرابة (7) مليارات دينار لوزارة المالية AlmustakbalPaper.net
ابـن بطـوطـة فـي «سـبـع لـيـال وثـمـانـيـة أيــام»
ابـن بطـوطـة فـي «سـبـع لـيـال وثـمـانـيـة أيــام»
أضيف بواسـطة
أضف تقييـم
أحمد المديني
ليس جنوح سعيد بنسعيد العلوي أستاذ الفلسفة، والمفكر الإصلاحي المغربي، إلى الرواية هوى عابراً، أو محطة استراحة في السرد من مشاق البحث المنهجي. لنقل اليوم إن من جازف بكتابة رواية «الخديعة»، وأتبعها بثانية «مسك الليل» قد قرر، مذ أصدر»ثورة المريدين» (2016) أن يتخذ من هذا الجنس الأدبي الوعر تعبيراً فنياً محكماً ومضماراً لتصوير عوالم محددة تسرد حكايات وتحفل بشخصيات وتتداول مشاغل وهواجس، يتنازع فيها التاريخ وهواجس الذات رهان تمثيل، إعادة تمثيل البحث الإنساني عن وجود وكيان في خضم معامع صراعات السلطة والعقيدة وحرائق الوجدان، مؤلِّفةً جلها بين واقع وتخييل.
نعرف أن السيرة (البيوغرافيا) هي من الأنواع الأدبية الدنيا، بمثابة فرع في شجرة السرد الكبرى، بيد أنها حين تستبطن، يصبح ساردُها طرفاً مراقباً، تارة، موازياً تارةً أخرى، صنيع البيدق وهو يكتب سيرة ابن تومرت، أو الكاتب (اليموري) قد انسحب إلى خلوته الأندلسية ليعيد كتابة تاريخ وشخصية من سابق (الموحدي) ومن وفي خلفية حاضر زمن الربيع العربي؛ فإنها عندئذ تختلف، فتذهب أبعدَ من السّيرية التعريفية والتعليمية الباردة، حين تختص بالمناقب وتبتغي العِبَر من الدهر، لتنتقل إلى تنويع و «تحريف» مقصودين، ولا ضرورة للقول بإعادة تجنيس، هو شيء منه لا كله، ما دام الأساس يكمن في تلقيحها بالتخييل، يتمثل في سرد رواية تلعب بالتاريخ، يظن مؤلفها أنه يلعب به من منطلق زعم حقيقة غير موثوق فيها ـ متى كان التاريخ موثوقاً فيه؟! ـ وإذاً فهذا يسوّغ حضور الذات تعيد التكوين والتأويل.
هذا هو السبيل الذي يمضي فيه سعيد بنسعيد العلوي في روايته الأخيرة «سبعُ ليال وثمانية أيام» (المركز الثقافي العربي، 2017) تبيّن أن المفكر ابتلي بهذا التعبير، وأن شط به الهوى حدا دفعه إلى استحضار التاريخ (المغربي، دائماً) بانوراما كبيرة مرقونة بأيقونات قابلة للتحول، ذات مسار فردي، وبمصير في زمن عام، يسمح لذاتٍ بحساسيات وممكنات ثقافية لاحقة أن تمشي في ركابها، لِم لا تندغم فيها، صانعة تركيباً بين العلامة والذات والتخييل. هذا هو نهج وطريقة ورهان العلوي في مؤلَّفه السردي الأخير، يتطلب للوقوف عليها، ثم على مرماها وطواعية هذه الأدوات، أن نتعرف إلى محكيها وشخصياتها وعوالمها، شتّى.
الواقع، ليس متاحاً تحقق التعرف المبتغى بيُسر، فإن المؤلّف اقتضى أن يصوغ بيته، بناءَه بأعمدة وجدران متداخلة، وأحياناً بمسالك متاهية، تُلزم القارئ أن يقرأ ويعيد، ويصنع دليله الشخصي، لا يبدو أن الكاتب يحفل كثيراً بهذا الإسراف، قد اعتبر معمياته هنا طريقة سرد. فمن حيث الشكل تتوزع الرواية، استناداً إلى عنوانها، إلى خمسة عشر قسماً متفاوتة الطول (7 ليالٍ +8 أيام). كل قسم يتكون من فصول تحمل اسم الشخصيات المركزية، هي عاملة وساردة في آن، ومستوعبة شخصيات (ثانوية)، إضافة إلى شخصية يمكن وصفها بالجامعة المانعة، أراد المؤلف أن يبئِّر فيها الساردَ والموجه والحكايةَ وبحث بطله/ ذاتِه.
لا تُفضي الأقسام ولا الفصول إلى بعضها بالضرورة، بزعم تجنّب السرد الخطي، بات كتّابٌ كثرٌ يعتقدون أنه مذموم لقِدَمه، واختراقُه تجديدٌ في ذاته، وفي هذا أيّما خطل. فيما الأوجب أن للطريقة الفنية مسوغها، ضرورتها أو تُصطنع حذلقة، تصير عائقاً بخاصة ضد فن السرد. ثمة سارد عليم يتناوب ظهوره واختفاؤه على صعيد الحكي والبناء الروائي لأنه كُلِّياني، الشخصية المركزية الكبرى التي تُبنى عليها الرواية، وهي تتجلى في صورة روي الحكاية. أولاً شخصية وحكاية ابن بطوطة الرحالة الطنجي الشهير (1304ـ1377) معلومتان سواء بحقائقهما أو مبالغاتهما، جوّابُ الآفاق، من اكتشف البلدان ورأى العجائب، حتى بلاد الصين. ثم يخترق نسيجها الخارجي للنفاذ تحت ما تنطوي عليه، هكذا لن تستخدم كما لا تكتفي بمرتبة تعِلّة ليس إلا؛ أجل، تُخترق بالتأويل وهو صناعة لشخصية موازية (الكاتب نفسه) ولشخصية ثانية (من ورق) تندغم في الأصلية التاريخية، ومن الإثنين ثالثة، نتاج تركيب مفترض، وإما بتأثير التلقي، هو فعل قراءة للعمل، للأثر(oeuvre) وفق إيزر. تتغذّى هذه الصناعة التي تشتغل بالحكاية/ بالتناص مع الرحالة ابن بطوطة نصاً وإنساناً. النص معلوم «تُحفة النظار في عجائب الأمصار» وابن بطوطة هو سيرته، قصته، كما وردت في النص، إضافة إلى ما تناقله الرواة عنه، صحيحاً كان أو زيد فيه. يأتي التناص حرفية بإدماج فقرة أو بمثابة سند، أو لجلب خبر هنا وتأكيده هناك. ولا تناص بالطبع إلا مع نص، أي تفاعل نصين/ وهنا يأتي في صيغة تشابك حكايتين: محكيُّ، إنشاءُ السارد الكاتب (ش 1و2)+ محكي ابن بطوطة، إما استشهاداً (قليل)، وإما إضماراً واستبطاناً (الغالب) وأهمُّه، أبلغُه، إذ يأتي في هيئة مؤتلفة ومتناغمة، ذات طبيعة حلولية، بلفظ الصوفية، أو بعبارة الحلاج: «أنا من أهوى ومن أهوى أنا/ نحن روحان حللنا بدنا»، البدن هنا ينبغي أن يكون روائياً، أي ذا طبيعة بشرية، أو لا رواية، فكيف يستقيم هذا لبنسعيد العلوي، كيف؟
هذا ما يتجلى في شخص (دلشاد) بتقاسيم وصفات محددة كما ينبغي للشخصية في القصة، هو أول الخيط وسبيل الكاتب السارد الباحث عن نفسه الحالم الضائع المتفرق بين الأسطورة والواقع، في رحلة ابن بطوطية يتخيّلها وهو يتبع دلشاد خطى وتهيؤات، مستخدماً معجم الرحالة وصوره، مستعيراً منه عباراته وأوصافه، فلا نتميز صوت هذا من ذاك، اللهم يكون واحد يحلم بنفسه في الحالتين ويتجسد حالُه قد تسمّى(دل شاد) أي القلب الفارح بالفارسية، يستيقظ أخيراً من حلمه ويسقط في الأرض، في طنجة، وبذا ينفتح الاستيقاظ، هذه المرة، على رحلة معاكسة إلى مسقط رأس ابن بطوطة بمناسبة انعقاد ندوة حول كتابه وشخصيته يقوم بها أعلام، مغاربة وعرباً وأجانب، لهم جميعاً وصل بالرحالة الطنجي، بسبب أو بآخر، فتُنسج وتُحكى على ألسنتهم وحولهم قصة ثانية، بمثابة حكايات لمسار كل شخصية على حدة، طفولةً وتربيةً وتكويناً في آفاق مختلفة، يجمع أغلبها علائق ذاتية، مناسبة الندوة حول ابن بطوطة في مدينة طنجة بالذات، تعلة سرد حكاياها ومضمار تقاطعها، تشابكها في حبكة تتهلهل غالبا ًأكثر مما تتواشج في ما بينها ومع محكي الاستهلال.
طاهر التلمساني، عثمان الشرادي، إيزابيل فارنيا، الشخصيات الثلاث الرئيسة لنص الرواية الطنجي، الموازي للنص البطوطي المتناص والمضمر، ضمن هيمنة سارد عليم. وبينما نتعرف إلى مقاطع من حياتها مرسومة بصيغة (البورتري) تتموّج حول سيرة ابن بطوطة، تتحول لدى الكاتب إلى أصوات للتعليق والسخرية في خطاب لا روائي، للنيل من المتعالمين في المؤتمرات، بأجوائها المصطنعة، والتعريض بالمتحذلقين الغربيين أشباه المستشرقين المتطفلين على الثقافة العربية، وهم فعلاً كثر وتقليعة جارية؛ بيد أن أغلبه خطاب مُسقط وسجالي، بل استعراضي، حتى لا مزيد ـ ربما لخبرة المؤلف في هذا المجال ـ أكثر منه لصوقاً بالأجواء المشحونة والملموزة للمؤتمرات والمحافل الأكاديمية، يجيد في وصفها الروائي الإنكليزي ديفيد لودج، إنما دائماً وهي بؤرة وتحبيك.
نعم، لكل واحد هواه مع ابن بطوطة، ورؤيته الخاصة لعالمه، يحاول الكاتب أن يقدمها تتماهى جذباً مع سيرة شخصياته صانعاً بينها مسالك مباشرة حينا، ومناورة، غريمية، حيناً آخر، فارنيا في قلبها تنضح بالشبق، وأيقونة لما يعتقد بعض الكتاب أنه ينبغي أن يحضر في الرواية لخلق الإثارة بالعقدة الغرامية والمتعة الجسدية وإن مكتفياً بإيماءات وإيحاءات، هنا حيث يتقابل الجسدي بالروحي الصوفي في النص الاستهلالي، المتعالي عن النزوات. فيما لا نمنع أنفسنا عن السؤال عن ضرورة هذه الشخصيات في تكوين الرواية وتطويرها ومدها بالمعنى، أراد لها الكاتب، أيضاً، بالنية قبل الفعل، التعبير عن تعدد الأصوات وكسر أي نمطية محتملة، وموقف موحد غير موجود تجاه السيرة البطوطية والاستيهامات حولها. لكنّ «البوليفنية» تستوجب مقدماً إمكانَها، أي أنها ليست إصاتة ولا وضعاً شكلياً، بل معنى وموقف قائمان بذاتهما متعددان، لذلك لا يمثل الانتقال من طاهر التلمساني إلى عثمان الشرادي حداً قطعياً، وإيزابيل فارنيا صورة فضفاضة لطنجة اللّاهية، على رغم غلواء عاطفة مشبوبة سطحاً. شأن الحضور اللاّهي لشخصية مولاي التّقي، تنثر حبيبات فكاهة لكسر ملل المنتديات العلمية وسماجة الحاضرين فيها، بخاصة مع وافدين زعما للقاء جدي.
لن يفوت قارئ عمل بنسعيد العلوي الاسترجاعات بمثابة، تداعيات طويلة بين ثنايا سرده، لذكريات ومشاهد من باريس، أعلاماً وأماكن وموسيقى وغيرها في استطرادات لا وصل لها مع نسيج المحكي وموقف الشخصية، أو باختراق لجلدها عنوةً لتقديم معرفة بمكان وثقافة، لن أعلِّم أحداً بقولي أن بثّ الخبرة والتذكّر في الرواية يحتاجان وجوباً للداعي والسياق، وإلا فهو كلام (لا روائي) ينسف تلك الوحدة العضوية المتطلبة في العمل الفني، شعرًا ونثراً. التناص ليس هو الكولاج ولا الحشو، إنه بنية جديدة تتعالق من عناصر سلستين يعوض المليء منها الفارغ (أطروحة دولوز)، ما يحتاج إلى تحبيك محكم للعناصر، إلى إعادة نسج السيرة بين ماض وحاضر، لصنع سجاد بديع تتنقل فيه العين من الميتوس (الأسطوري) إلى اللوغوس (الواقعي) بانسياب ذهاباً وإياباً، ويصبح للتاريخ معنى مستحدث; ذا رهان أي كاتب يستخدم هذه المادة، ليصنع معناه بمقتضى لعب سردي خاص. والمعنى هنا هو استخلاص رؤية العالم من جماع عالمين، تليد وطريف، وإعادة تكوينها، أي كتابتها في وبالرواية على نحو فريد، نسغه التاريخ ومداده التخييل، التحدّي الذي جابهه العلوي مشدوداً بين جاذبيتين، الفكر والأهواء، تاركاً الصراع بينهما مفتوحاً كشقٍّ في الهواء.

رابط المحتـوى
http://almustakbalpaper.net/content.php?id=41262
عدد المشـاهدات 1290   تاريخ الإضافـة 30/04/2018 - 08:53   آخـر تحديـث 27/03/2024 - 08:24   رقم المحتـوى 41262
محتـويات مشـابهة
مجلس الأمن يتبنى قراراً بوقف إطلاق النار فـي قطـاع غـزة
محلل سابق فـي CIA يكشف حقيقة مروعة في أمريكـا: بايدن الخرف يلعق الآيس كريم ويتحدث عن كارثة غزة
فـي ظـلال طــوفـان الأقصـى «50».. رفح محافظة الأنصار حاضنة الأطهار
إرتـفـاع أسـعـار خـامـي الـبـصـرة بـشـكـل طـفـيـف
«بـرقيـة .. فـي عيـد الجيـش»

العراق - بغداد - عنوان المستقبل

almustakball@yahoo.com

الإدارة ‎07709670606
الإعلانات 07706942363

جميـع الحقوق محفوظـة © www.AlmustakbalPaper.net 2014 الرئيسية | من نحن | إرسال طلب | خريطة الموقع | إتصل بنا