درية شرف الدين عاصرت تفاصيل حكاية مصرية لما يقرب من سنة، هي مصرية لأنها لم تعد تحدث بتفاصيلها إلا هنا، شابة في الثامنة والثلاثين من عمرها أصيبت بفشل كبدي وتحتاج لزراعة فص كبد إنقاذاً لحياتها، تطوع بعض من أقربائها للتبرع به إلا أن الأبحاث الطبية أثبتت عدم التوافق بينهم وبينها، وبدأت رحلة العذاب الطويلة التي ما زال يتولاها شقيقها في جميع أنحاء ومحافظات الجمهورية، من سمسار أعضاء إلى آخر ومن بائع يطلقون عليه لفظ متبرع إلى بائع آخر، ومع كل سمسار تبدأ المفاوضة وترتفع المغالاة، آلاف الجنيهات تُدفع مقدماً حتى يتنازل السيد السمسار ويفتح الملف الذي يحمله وبه أسماء وأرقام الفقراء والمحتاجين الذين يقبلون التنازل عن جزء من أجسادهم لقاء مال هم في أشد الاحتياج إليه. ومن الملف السري لكل سمسار تبدأ المساومة ثم تبدأ رحلة التحاليل لفصيلة الدم والأنسجة والمخدرات والإنزيمات والفيروسات والقلب والصدر والحالة النفسية.. وغيرها، وذلك لضمان التوافق مع حالة المريض، والتكاليف جميعها يتولاها المريض وأهله، فإذا ثبت التوافق تُقدم الأوراق إلى وزارة الصحة التي تنظر في الأمر نظير ألف جنيه، وتصدق بكل براءة أن المتبرع الغريب لم يتلق أموالاً من المريض. أصبحت مهنة سماسرة الأعضاء مهنة من لا مهنة له، فحصيلتها بالآلاف، والفتات للمتبرع، أي للبائع المسكين الذي يقبل اقتطاع جزء من جسده لقاء مال بسيط هو في حاجة إليه ربما لعلاج مريض آخر من عائلته أو حتى لسد متطلبات الحياة. وحتى استكمل باقي تفاصيل تلك الحكاية المصرية فإن رحلة العذاب بحثاً عن متبرع تكررت لأكثر من اثنتي عشرة مرة خلال تلك السنة الأخيرة بكافة تفاصيلها وتحاليلها وعذاباتها وتكاليفها حتى تم التوصل إلى متبرع أو بائع أخير، وخضعت الشابة إلى عملية جراحية ثبت فشلها للأسف، وهي الآن طريحة الفراش في المستشفى تنتظر إجراء عملية جديدة تحتاج لسمسار جديد وفقير جديد، وشقيقها - وحده - مازال حائراً لا يريد الاستسلام للانهيار الصحي الذي أصاب شقيقته التي تركها المستشفى تحت رحمة القدر حتى يبحث أهلها عن حل وكأنها في فندق أو في الطريق وليست في مكان مسؤول عن سلامة وحياة مرضاه. أكتب عن رحلة العذاب تلك وهي واحدة من آلاف بل ملايين الحالات في مصر التي أصبحت تحتل مرتبة متقدمة عالمياً في تجارة الأعضاء البشرية- للأسف- والتي مازالت تتأرجح فيها القوانين والآراء الفقهية والدينية منذ سنوات حول مشروعية أو تحريم تبرع الأحياء بأعضائهم بعد الممات. |