العيش بين قرنين ---------------------------------- يسرى وجيه السعيد «حتى العشق بارد، لأنه تحول عند الكثير إلى حافز يخضع للمتناقضات في حياة إنسان هذا الزمان، ولأنه عشق معلب نفتحه في الليل إذا ما ترددت الأصداء المتناقضة في داخل النفس وخارجها، ونقفل عليه في النهار لنجري وراء الوراء، ذلك الذي يحدد مستوى معيشتنا ونسبة الترف في استخداماتنا المالية، بينما يزداد في كل يوم تفريغ الوجدان من العواطف الصادقة، وتجف العقول من فكرة الخير والشر» حين قرأت هذه الكلمات ابتسمت، وتابعت ابتسامتي العريضة، وأنا في طريقي اتجاه مطبخي الصغير، وبدأت لذة إعداد فنجان قهوة، لم يكن ضرورياً، لكن احتراماً وإجلالاً لعادة كنت أقوم بها حين قراءة الجرائد، وافتقدتها حين تصفح فيسبوك. وها أنا الآن؛ تحتويني غرفتي وقصاصة وورقة ختمت باسم، عبد الله عبد الرحمن الجفري، ذلك المبدع الذي طالما أتحفتني زاويته «نقطة حوار» في جريدة الحياة، في زمن كان للحرف قيمته، وللقارئ اختياراته الألقة، وللخبر قيمته الصادقة والفريدة، وأعود بالذاكرة عشرين عاماً وأكثر، حيث كانت القراءة إدماناً شبيها بإدمان وسائل التواصل اليوم، إدماناً عشته مع من عاصر تلك الفترة بحب وشغف، كانت الجرائد وحدها، وبعض المجلات التي احتوت رغباتنا، قادرة على أن تمنحنا لحظات من الهدوء والسكينة الروحية التي ما زلنا نبحث عليها الآن، لكن دون فائدة.nbsp أغلق تلك الورقة، وأنهي فنجان قهوتي المرة، لأواجه نفسي ولأول مرة بأنها عايشت قرنين، الربع الأخير من القرن العشرين، والعقود الأولى والثانية من القرن الحادي والعشرين، بكل ما تحمله تلك المعايشة من مرار وجمال وعمق وسطحية، ولدت في العام الذي توفيت فيه أم كلثوم، و عاصرت العديد من المجازر اللاإنسانية بحق الفلسطينيين، وحتى الآن أذكر بكاء أمي وحدادها وبكائي معها، عام 1982 حين وقعت مذبحة صبرا وشاتيلا، والتي تألم لأجلها الكثيرون من العرب، وعايشوها عبر المذياع، وعايشتها مع أسرتي ولم أكن أتجاوز الثامنة من عمري. ونفس الحزن عشناه مع كارثة تشرنوبيل 1986 التي شهدها العالم، في يوم السبت الـ 26 من إبريل عام 1986 تحديداً، ثم تابعت ومعي الملايين حرب الخليج 1990 وهي حرب شنتها قوات التحالف المكونة من 34 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأميركية لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي، واجتمعت العائلة أمام التلفاز لتشاهد وبذهول منقطع النظير أحداث 11 سبتمبرأيلول عام 2001، وما زلت أحداث الحرب السورية الموجعة منذ عام 2011، ولا أدري كيف استطعت أن أقاوم صدمة تلك الأحداث حتى الآن؛ لكنني وبصدق أدرك أن النفس البشرية جبارة، وأن ما تستطيع تحمله من خيبات وانكسارات، وصدمات يفوق كل توقعات العلماء. ---------------------------------- المقـالا أضيف بواسـطة : admin التقييـم : 0 عدد المشـاهدات : 1343 مرات التحميـل : 0 تحميـل هذا اليوم : 0 تاريخ الإضافـة : 09/12/2019 - 10:14 آخـر تحديـث : 26/03/2024 - 05:38 التعليقـات : 0 رابط المحتـوى : http://almustakbalpaper.net/content.php?id=57386 رقم المحتـوى : 57386 ---------------------------------- صحيفة المســتقبل العـراقي AlmustakbalPaper.net