محمود اسماعيل بدر

ربما لا يكون أهم ما في مسيرة الروائية الكورية الجنوبية هان كانغ (27 نوفمبر 1970) هو فوزها بجائزة مان بوكر الأدبية عام 2018 عن روايتها «النّباتية» عن امرأة ترفض الوحشية البشرية، بالنّظر لكونها أصبحت كاتبة عالمية من جهة، وأثيرة بالنسبة للقراء والمترجمين العرب من جهة ثانية، وبخاصة بعد ترجمة رواياتها «النّباتية» و«الكتاب الأبيض» و«مكان شاهق» للعربية، ومؤخراً أحدث ترجمة لروايتها «أفعال بشرية» عن دار التّنوير للنشر، ونقلها للعربية محمد نجيب. اعتبر النّقاد هذه الرواية واحدة من أجمل وأرفع وأنضج أعمال كانغ، وموضوعها عن الراحلين والباقين والعالقين بين الرحيل والبقاء، قصة موجعة يرويها أحياء عن أموات، وأموات عن أحياء، مرثية حزينة وشهادة عن انتفاضة مدينة غوانجو العام 1980، ولعل أهم ما هذه الرواية هو حرص كاتبتها على ألاّ تقع في فخّ السّرد التّاريخي الممل، بل تحكي قصصاً شديدة الخصوصية، ولكنها عالمية وشمولية في إنسانيتها مواصلة بذلك أسئلتها عن جدوى العنف البشري، وعن ثقل الضمير، وصعوبة أن تكون إنساناً، وشقاء أن تكون ناجياً وسط عالم متناقض يدمّر نفسه بيديه بسبب ما يبتدعه من حروب لا جدوى منها. عندما تقرأ الجملة الافتتاحية لأي من روايات هان كانغ الملقبة بـ«كافكا آسيا»، فكأنك دلفت إلى متحفٍ للغة. يكون انقطاعاً صاعقاً عن اليومي والصّاخب والعابر، ثمّ تحليقاً نحو النهائي والسرمدي والمطلق، في حين يبدأ السحر في روايتها «أفعال بشرية» عند تلك اللحظة تماماً، أي بعد القراءة لا أثناءها، بعد أن تغادر ذلك المكان الشاهق المنعزل وتلقي بالرواية جانباً، تحاول عبثاً أن تعود إلى اليوميّ والصّاخب والعابر. ستجد أنّك تعجز عن رؤية العالم كما اعتدته، ثمّة شيء ما تغيّر، ولا تدري إن كان العالم أم أنك أنت الذي تغيرت، أم كلاكما معاً، وإن كنت من المحظوظين ممن عندهم أصدقاء، يمكن أن تحكي لهم عن التجربة، ستجدهم يحملقون بك كمن أصابه مسّ من جنون.في روايتها «الكتاب الأبيض» تقدّم هان كانغ، حياة متخيّلة لأختها بعد ساعتين فقط من ولادتها، منطلقة من حدث حقيقي متجذر في ذاكرتها، فمنذ طفولتها أخبرها والداها بأن أختًا سابقة لها، قد جاءت الحياة لوقت قصير ومن ثم غادرت، وهنا يبدو جمال الأسلوب النثري الغنائي، وبراعة الكاتبة في صياغة رواية غير عادية، لغتها الأقرب إلى النّثر، تحت مظلة واقعية سحرية تمتلك أدوات تعبيرية أكثر معاصرة وحداثة في تصوير الواقع المعيش وانهيارات البشرية، بعد أن عمدت إلى تقديم الجنوح نحو اللامتناهي في التعبير، وسبك شذرات نابضة بحرارة الذكرى وهموم الغياب والفقد، وصياغة الافتراضات بشأن الواقع المرير.. لافتة في معظم أعمالها إلى فظاعة ما تتركه الحروب من النّدوب في أعماق الإنسان وعلى أجساد المدن.والروائية هان كانغ خريجة جامعة يونسي في مدينة غوانجغو، والدها هان سونغ- وون، وهو روائي أيضاً، كافح لكسب العيش من كتاباته، وتنقلت عائلتها كثيراً عندما كانت صغيرة، وتقول عن هذه المرحلة: «كنت أفكر على الدوام في السلوك البشري وكيف ينتقل بسرعة من كونه كإنسان بالغ الرفعة إلى مناطق أقل منها بكثير وأتساءل: هل يمكن حقاً للبشر أن يعيشوا حياة آمنة وبريئة تماماً في هذا العالم العنيف؟».