السوداني: حزمة مشاريع فك الاختناقات المرورية ستسهم في التقليل من هدر وقت المواطنين AlmustakbalPaper.net وزير الداخلية يناقش تطوير العمل في مواقع تسجيل المركبات AlmustakbalPaper.net مجلس النواب يصوت على توصيات لجنته بشأن فيضانات دهوك وتعديل قانون العقوبات AlmustakbalPaper.net طلب برلماني الى السوداني بمنح عيدية 100 ألف دينار للمتقاعدين AlmustakbalPaper.net صندوق استرداد أموال العراق يعيد قرابة (7) مليارات دينار لوزارة المالية AlmustakbalPaper.net
غسان كنفاني.. صورة للبلاد في شخص واحد
غسان كنفاني.. صورة للبلاد في شخص واحد
أضيف بواسـطة
أضف تقييـم
محمود منير

في شتاءات جمعتنا نهاية التسعينيات، كنّا طلبة وعمّالاً وعاطلين من العمل نتقاسم بيتاً صغيراً استأجرناه بالقرب من الجامعة، يضمّ غرفة وصالة جلوس نفترشها أرضاً في سهرات نحييها بالغناء على عزف العود، والنقاشات الصاخبة في الأدب والثقافة شكّلت محاولات أولى في نقب جدارٍ سميك من الانكسارات وخيبات الأمل في واقع عربي محبِط.
كان الملصق الذي صمّمه غسان كنفاني يعلو أحد الجدران، التي خطّ فيها كلمة فلسطين بلون أحمر يصوغ كلّ حرف منها، ممزوجاً بالأسود والأبيض والأصفر التي تُرزكش جسد المفردة بزخارف وقباب ومآذن وخريطة فلسطين وبندقية على خلفية خضراء تبدو فضاءً يعمّقه الأمل.
استُنسخ التصميم مرّات ومرّات وعُلّق على حيطان بيوت ومؤسّسات في أنحاء العالم كلّه، كأيقونة ربما توازي في شهرتها وانتشارها رسوم ناجي العلي، شكّلت ذاكرة بصرية لا تُمحى للاسم الجريح الذي كان يترك مرارة في الحلق لا تزول كلما هتفنا به، أو كتبناه على دفاتر المدرسة، لكنّ صورته التي نفّذها الروائي الفلسطيني ظلّت الأوضح والأبقى والأقرب إلينا، تسري رعشة في أجسادنا كلما وقع نظرنا عليها إلى اليوم.
تواجهت مع أولى نصوص غسّان أثناء المرحلة الثانوية. في نحو مئة صفحة فقط، صاغ لنا روايته «رجال في الشمس» بأربع شخصيات تمتلك ملامح حادّة، ولغة مكثّفة بحوارات ورسائل لا تُخطئ هدفها، عن رجال تائهين قادتهم أقدارهم بعد النكبة إلى البحث عن لُقمة العيش في الكويت، ما اضطرّهم للخضوع إلى ابتزاز أحد المهرّبين بوضعهم في خزّانٍ من الحديد على متن سيّارته.
مثل سائر أعماله، لا يحتاج صاحب رواية «أم سعد» لفائضٍ من السرد لإيصال فكرته التي تستقرّ كرصاصة في وعي القارئ الذي لن ينسى صورة ثلاثة موتى لم يحتملوا جدران الخزّان الملتهبة، حيث قرّر المهرّب «أبو الخيزران» التخلّص منهم بإلقائهم في مكبّ النفايات، ثم عاد بعد أن انطلق بسيّارته إلى الجثث وأخذ النقود من جيوبها.
سعى قرّاء غسّان ونقّاده إلى تأويل الأحداث وتحليل الشخصيات التي خلّقها على مدار اثني عشر عاماً، لكنه لم يكن مَعنياً بكثيرٍ منها، فالمسألة الأهمّ لديه تجسّدت في تأسيس نصّ أدبي يشتبك مع اللحظة التي عاشها، ويعكس واقع الناس وانتماءه إليهم والتزامه بقيَم آمن بها واستشهد بسبب تمسّكه بها.
في فترة لاحقة، استفزّتني مسرحيته «القبّعة والنبي» واختراعه لذلك «الشيء» الذي يسقط من السماء، ويُتَّهم شابٌ بقتله، وهنا تدور محاكمات يرأسها قاضيان تتنافى سلوكياتهما مع التشريعات التي يمثّلانها، لتتجلّى فكرة «الشيء» التي تحتكم إلى العقل وتتجرّد من العواطف في تعريتها أزماتنا الوجودية والسياسية والاجتماعية، مفكّكاً السلطة في مستوياتها المختلفة، ومفهوم «الرغبة» بتعقيداته في النفس البشرية. كثيراً ما اعتقدت أن «الشيء» يرمز إلى غسّان نفسه ويُعبّر عن منظوره إلى الحياة والصراع.
تَمثَّل صاحبُ رواية «عائد إلى حيفا» بطلاً تراجيدياً في أعيننا، تُحيط به روايات عديدة حول حياته الشخصية تناقلها مقرّبون منه، فهو المثقّف الملتزم الذي اعتنى بمظهره وملابسه منذ صغره، ولا يجد في قيافته وأناقته وابتسامته ما يتعارض مع صورة المناضل، كما حاول أن يوضّح لناجي العلي حين التقاه أوّل مرة، أو في ما يُروى عن انهماكه في العمل لثماني عشرة ساعة طيلة أيّام متتالية، في الكتابة والرسم والتحرير وكلّ فروض الصحافة التي أملتها رئاسته تحرير مجلّة «الهدف»، إلى جانب انشغالاته السياسية والتنظيمية والثقافية، وبعد كلّ هذا الشغل المضني كان ينطلق إلى مرَحه وسهره وأحاديث الأنس الطويلة.
آخر ما قرأته لغسّان كانت قصّة «القنديل الصغير» التي كتبها فوق عدد من رسوماته، وأهداها إلى ابنة أخته لميس. بنى قصته على حبكة بسيطة تتلخّص بوصية ملكٍ لابنته حتى ترث حُكمه بأن تحمل الشمس إلى القصر، وكادت أن تيأس من قدرتها على تحقيق الوصية إلى أن أمرت بهدم كلّ أسوار القصر والسماح للناس الذين يحملون القناديل لقاءَها بلا حُجُب وحواجز.
في عيد لميس الثامن، يكتب غسّان لها قصّته لتكبر معها كلّما كبرت. قنديلٌ صغيرٌ أضاء لحظة اغتياله حيث استشهدت لميس معه في الثامن من تموز/ يوليو عام 1972، ولا يزال ضوؤه ينتشر في المكان.
رابط المحتـوى
http://almustakbalpaper.net/content.php?id=67302
عدد المشـاهدات 2104   تاريخ الإضافـة 29/07/2021 - 06:23   آخـر تحديـث 28/03/2024 - 22:38   رقم المحتـوى 67302
محتـويات مشـابهة
وفاة شخصين وتضرر أكثر من 30 منزلاً جرّاء السيول في دهوك
نائب قائد العمليات المشتركة يؤكد ضرورة العمل بروح الفريق الواحد
القبض على قاتل والد زوجته واخيها واحد اقاربها في بغداد
اليساري يدعو هيئة الاعلام الى منع ظهور شخصيات مثيرة للجدل بشكل نهائي
المؤيد يؤكد تطوير عمل «النافذة الواحدة» لتسريع الإجراءات ودعم البرنامج الحكومي

العراق - بغداد - عنوان المستقبل

almustakball@yahoo.com

الإدارة ‎07709670606
الإعلانات 07706942363

جميـع الحقوق محفوظـة © www.AlmustakbalPaper.net 2014 الرئيسية | من نحن | إرسال طلب | خريطة الموقع | إتصل بنا