إبراهيم أبو عواد العلاقةُ المُتبادلةُ بين السُّلوكِ الاجتماعي وثقافةِ الحياة اليوميَّة، تحتاج إلى تفسيرٍ معرفي مُتجدِّد، وتحليلٍ نقدي مُستمر، مِن أجل تطويرِ الوَعْي الإنساني بالنظام الاجتماعي، وتحويلِ التَّصَوُّرات الذهنيَّة إلى سياسات إبداعية فاعلة في مجالات النشاط الواقعي، الذي يَتَأثَّر بالتحولات اللغوية والثقافية، النَّوعية والكَمِّية. وهذا التأثُّر لَيس رَدَّةَ فِعْل، وإنَّما هو منهج فِكري يُولِّد فلسفةً تأويليَّةً للوجود الإنساني ضِمن وَعْي الفرد وشُعوره تجاه المجتمع. والوعيُ والشُّعورُ يَصنعان تاريخًا جديدًا للتفسيرِ المعرفي لأنساق المجتمع، ويُكوِّنان صِياغةً عِلْمِيَّة للتحليل النَّقْدي للعَالَم الذي يتحوَّل إلى شبكة مُتكاملة ومُترابطة، في حِين تُصبح حياةُ الأفراد أكثر فرديةً وانعزالاً. وإذا كانت البُنيةُ الاجتماعيةُ مُوحِشَةً، فإنَّها سَتُنتج فَرْدًا مُتَوَحِّشًا، لأنَّ الفراغ الرُّوحي يُؤَدِّي إلى اشتعال الرَّغَبَات وتأجُّج الغرائز. وبما أنَّ المُجتمعات تختلف مِن حَيث طبيعة الظواهر الثقافية التي تنتشر فيها، فإنَّ ماهيَّة السُّلطة المعرفية ستختلف تَبَعًا لإفرازاتِ الظواهر الثقافية وانعكاساتِ المعايير الأخلاقية. وكما أنَّ الإنسان يَصنع الثقافةَ، كذلك الثقافة تَصنعه. وكما أنَّ الإنسان يتحكَّم باللغة، كذلك اللغة تتحكَّم به. والإشكاليةُ لا تَكمُن في التأثير المُتبادَل بَين الذات والموضوع، والسلوك والثقافة، والثقافة واللغة، وإنَّما تَكمُن في التَّحَدِّيات المصيرية أمام قُدرة الإنسان على صَهْرِ الثقافات المُتَعَدِّدة، واستيعابِ الانساق المركزية في الوجود الحُر (العَالَم الخيالي) والوجودِ المُقيَّد (العَالَم الواقعي). هل يَستطيع الإنسانُ أن يُطوِّر أدوات فِكرية لتحويل التناقض إلى تجانس باستخدام رمزية اللغة المُتَأصِّلة في الظواهر الثقافية؟ هَل يَستطيع الإنسانُ أن يُكوِّن آلِيَّات معرفية لتحويل التَّلْفِيق إلى تَوفيق باستخدام دَلالات الثقافة العميقة المُتَجَذِّرَة في القِيَم والأفكار؟ إنَّ هَذَين السُّؤَالَيْن يُحدِّدان طريقةَ تفاعل الأفراد مع بعضهم البعض، ويُوضِّحان كَيْفِيَّةَ تعامُل الأفراد معَ النظام الاجتماعي المُسيطر على السلوك الإنساني والأحداثِ اليوميَّة. وبما أن الأسئلة الوجودية لا تنتهي، ولا يُمكن حَصْرُها، فلا بُد مِن إيجاد منهج فِكري قادر على تحليلِ مُكوِّنات البُنية الوظيفية للثقافة، وبيانِ دَورها في تحديد نِقاط القُوَّة ونِقاط الضعف في مصادر المعرفة الفرديَّة (الجُزئية ) والجَمَاعِيَّةِ (الكُلِّية)، وتنظيمِ الطاقة الرمزية في التفاعلات الاجتماعية، مِن أجل التَّعَرُّفِ على جَوهرها، وأُسُسِ تَكوينها، وكَيْفِيَّةِ تأثيرها، وأسبابِ تغيُّرها في المراحل الزمنية المُختلفة. |