د. جواد الهنداوي هدّدَ الرئيس الروسي بوتين الغرب بتسليح دول معادية له ، (واقصد للغرب) ، وجاء ذلك على لسانه ،و بصراحة يوم 2024/6/5 ، خلال لقائه مندوبي وكالات انباء اجنبية ، وقال: ” إذا كان احد يعتقد انه يمكن تقديم اسلحة في منطقة المعارك لضرب أراضينا،فلماذا لايكون لنا الحق في ارسال أسلحتنا من الطراز نفسه إلى مناطق في العالم توجه فيها ضربات إلى منشآت حساسة تابعة للدول التي تتحرك ضّدَ روسيا ” ؟ التهديد الروسي لدول حلف الناتو ولامريكا بسبب دعمهم اللامحدود بالسلاح والمال لأوكرانيا ، ليس بجديد ، ولكنه تصاعد في حدته وتنوّع في خيارات تنفيذه ،بعدما رفعت امريكا منع استخدام سلاحها ،من قبل الجيش الأوكراني،لضرب اهداف داخل الأراضي الروسية . ومن بين خيارات تنفيذ التهديد هو ما جاء على لسان الرئيس بوتين ،في قوله : سنسلّح الدول المعاديّة للغرب ! اول ملاحظة على تصريح الرئيس بوتين هي ماوردَ في تصريحه “سنسّلح دولا معاديّة للغرب ” .. قالَ ” دول ” ولم يقلْ جهات او حركات او قوى معادية للغرب ،وهي ايضاً كثيرة وفاعلة في منطقة الشرق الأوسط وفي أفريقيا ، و ربما مؤثرة و تؤذي الغرب اكثر من الدول ! فها هي حركة انصار الله في اليمن ،تحارب مصالح امريكا وبريطانيا و اسرائيل ،وعلناً و بقوة . فهل كان مقصوداً حصر التسليح فقط بدول ،ام وردَ ذكر ” الدول ” على سبيل المثال و التعميم ؟ عندما تكون قوة عظمى في حرب ناعمة او ” خشنة ” مع قوة او قوى عظمى ،كما هو حال روسيا مع امريكا و مع دول حلف الناتو ، فإن كل وسائل التأثير والقتال ،التي تساعد على تحقيق النصر او الصمود ،مُتاحة . بعبارة اخرى ،روسيا لم ولن تتردّدْ بتسليح حركة او جهة او فصيل ،يخدمُ مصالحها ، فكيف الحال إذا كانت روسيا في حربٍ مُعلنة مع جبهة طويلة وعريضة ،هي جبهة الغرب (امريكا وحلف الناتو و مَنْ معهم من دول اووربا، ليسوا اعضاء في الناتو ) ، وهذه الجبهة تحارب روسيا ،في السلاح وفي المرتزقة ، في أوكرانيا ! الملاحظة الثانية هي مدى جديّة التهديد ؟ لنا الحق ،وكذلك القارئ المتتبع ،ان نشكّك في جديّة التهديد . ليست المرّة الأولى التي تهددْ روسيا امريكا و الغرب ، ولكن بقي التهديد وعداً دون تنفيذ .. لماذا ؟ هل تخشى روسيا من ردود فعل قاسية من دول حلف الناتو ؟ هل تتحاشى روسيا مشاركة فعلية لجيوش دول غربية في حرب أوكرانيا ،ما يفقد روسيا ميزة الانفراد بالجيش الأوكراني و الانقضاض عليه؟ تساؤلات واردة وممكنة . روسيا لا تريد حربا مفتوحة مع الغرب في أوكرانيا، ولا الغرب يريد ذلك ،وكل طرف منهما يعتقد انه يستنزف الآخر ، وكل طرف منهما يعوّل على عامل الوقت ، على الزمن وما يحمله من متغيرات . لنمضي في التحليل، معتقدين بجدّية التهديد ، وهذا ما يقودنا إلى الملاحظة الثالثة ، وهي عنوان المقال: بأي دولة تبتدأ روسيا بالتسليح ، ليبيا ام سوريّة ام ايران ؟ ابدأ في ليبيا ، والمنقسمة شرقاً وغرباً ، وهو تقسيم سياسي وجغرافي في آنٍ واحد ، وتسعى حكومة طرابلس او حكومة الغرب الليبي ، او حكومة الوحدة الوطنية ،وهي المعترف بها دولياً وأممياً إلى توحيد البلاد ،ومن خلال مسار سياسي حثيث ،يجمع فواعل المشهد السياسي الليبي ،المتنوعة والمختلفة ، و جهود الامم المتحدة ،وكذلك جهود و اجراءات الاتحاد الأوروبي . الشرق الليبي ، بقيادة المشير حفتر ، هو من حصّة روسيا ، ولم تبخلْ روسيا عليه بالدعم في السلاح وفي المال ، و الدعم السياسي يأتي قبل الدعم العسكري . لم يتوقف السلاح الروسي عن الوصول إلى موانئ شرق ليبيا ،يعني إلى جيش المشير حفتر، أمّا التقارير التي تتحدث عن وصول الأسلحة لشرق ليبيا او لغربها ،لا تُعدْ و لا تحصى ، وغالباً ما تُنشر في صحف مُعتبرة ، اذكر فقط على سبيل المثال ، التقرير الذي نشرته جريدة “التايمز” البريطانية ،منتصف نيسان ( أبريل ) الماضي ، عن وصول سفينة روسيّة محملة بالسلاح ،رست في ميناء طبرق ، إلى جيش المشير حفتر ( جريدة الشرق الأوسط اللندنية ،تاريخ 2024/6/4) . لتبيان معضلة اغراق ليبيا بالسلاح ،في شرقها و غربها ، يكفي الاستشهاد بقرار مجلس الامن ، بتاريخ 2024/5/30 والذي بموجبه ،تّمَ تمديد التفويض الممنوح للدول الاعضاء بمهمة تفتيش السفن المارة في المياه الدولية ،قبالة ليبيا ، المشتبه بها بانها تنتهك القرارات الامميّة ، لمدة سنة اخرى . وكانت مهمة التفتيش ،والتي جاءت بمبادرة طرحها الاتحاد الأوروبي ( أيريني ) ، قبل 4 سنوات ، حين شّنَ الجيش الوطني بقيادة حفتر هجومه على طرابلس ، وتبناها مجلس الامن بقرار ، وانتهت مدة التفويض في 2024/6/2 . طبعاً تحفظّت روسيا والصين والجزائر و دول اخرى على تمديد القرار .الترحيب الغربي بالتمديد لمهمة تفتيش السفن و التحفظ الروسي والصيني و دول اخرى على التمديد يظهر تباين المصالح بين امريكا والغرب من جهة وروسيا و الصين من جهة اخرى ، ازاء الملف الليبي ،بل ازاء مصالحهما و دورهما في أفريقيا. |