لا يختلف اثنان في أن الصحف الكويتية تتحمل وزر الفتور الذي قد تواجهه الكويت في علاقاتها الدبلوماسية الباردة مع جيرانها وأصدقائها, فالصحافة الكويتية منحت نفسها حجما اكبر من حجمها الطبيعي, وفتحت فوهات مدافعها ضد الناس في العراق وإيران وسوريا وحماس, وضد كل من ينتمي إلى الأمة العربية والإسلامية, وخلقت لنفسها أعداء وهميين من العدم, وراحت تحارب الطواحين الدوارة بسيوف من ورق, تارة تتحامل على الشعب العراقي وتنعته بأبشع النعوت والصفات, وتارة تتجنى على الشعب الإيراني وتسخر منه, وتنشغل أحيانا في التطاول على نظام الحكم في سوريا, ولا تترد في شتم قادة حركة حماس بأغلظ العبارات في الرايحة والجاية, ووصل بها الطيش إلى إعلان تضامنها مع العدو الصهيوني في حصاره لغزة, وتحرض رئيس الوزراء (أولمرت) على قتل الناس هناك بالأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا, فلا تندهش إذا قرأت مقالة جريدة (الوطن), التي حملت عنوان: ((بالكيماوي يا أولمرت)), ولا تتعجب إذا علمت أن إحدى الصحف وصل بها الاستياء من الشعب العراقي إلى الاستنجاد بالحجاج بن يوسف الثقفي لإزهاق أرواح الناس هناك بالجملة, فالصحف الكويتية تتصرف في معظم المواقف, وكأنها في حرب لا نهاية لها مع إيران والعراق وحماس وسوريا وغيرها من الأقطار العربية والإسلامية, التي وضعتها على القائمة السوداء, وسمحت لنفسها بالتطاول عليها في مقالاتها الهجومية التي لا تتوقف ولا تهدأ.
نحن نعلم علم اليقين أن أبناء الشعب الكويتي الآمن المسالم الودود المحب للخير, لا يحملون في قلوبهم أية ضغينة للبشر, وهم بطبيعة الحال غير مسؤولين عن هذه الحروب الصحفية المفتعلة, وربما لا يعلمون بها, ولم يسمعوا بها حتى هذه اللحظة, فالناس هناك في منتهى الطيبة, ويتصرفون على فطرتهم حتى في أحلك الظروف, ولا يحقدون على أحد بغض الطرف عن جنسيته ولونه وقوميته وميوله الثقافية والحزبية.
قرأت قبل أيام مقالة جديدة من هذه المقالات, التي اعتدنا على قراءتها في صحف الكويت, كانت تحمل العنوان (الكويت. . بين العراق وإيران !), في جريدة (الرأي) الكويتية, بقلم (مبارك محمد الهاجري), تكررت فيها المفردات النابية, من مثل: (رعاع), و(غوغاء) في توصيف الشعب العراقي, أو الإيراني, ويقترح فيها الكاتب على حكومته إيقاف جميع التعاملات معهما (العراق وإيران), وقطع العلاقات الدبلوماسية معهما, ورفع شكاوى عليهما في مجلس الأمن الدولي. فالكاتب يعاني من الأرق (العراقي الإيراني), وهذا هو الهاجس المزمن الذي لا مفر منه. فالكراهية الموروثة ضد العراق وإيران وسوريا وحماس وحزب الله, لا يستطيع الكاتب ان يتخلص منها بسهولة, خصوصا بعدما أصبحت من اخطر مصادر الاضطرابات النفسية والكوابيس الليلية, التي تتخيلها الصحف الكويتية في حروبها الافتراضية مع الناس من حولها.
أن من يقرأ المقالة سيكتشف عمق هذه الهواجس المرعبة, وسيتعرف بنفسه على حجم الأعباء الثقيلة التي تواجهها هذه الصحف في معاركها اليومية الباطلة, بيد أن أبناء الشعب الكويتي أقوى من أن تهزهم هذه الكتابات التخويفية البليدة, واكبر من أن تزعجهم هذه المقالات المشحونة بالتلفيق والافتراء الرخيص, لكنهم سيحزنون كثيرا عندما تتصاعد أبخرة الحروب الصحفية لتخيم فوق سماء الكويت, فتعكر صفاء النفوس الكويتية البريئة, التي لا ناقة لها ولا جمل في التورط بحروب جديدة تشنها الجرائد الكويتية فوق صفحات أوراقها المتطايرة. |