لم نكن نتوقع أن العواصم, التي خرجت من رحم البصرة سيصل بها العقوق والعصيان إلى اليوم الذي تعلن فيه التكبر على البصرة والتعالي عليها, وهي التي تكحلت عواصم الدنيا كلها بأديم ترابها السومري البابلي العربي, ولم يخطر ببالنا أن الحقد على البصرة سيستمر بنفس النوايا البغيضة, التي نبتت في جحور حفر الباطن, وحملتها رياح الشر مع غربان البنتاغون وخفافيش الجزيرة, لتدنس مياه شط العرب المقدسة, وتلوثها بمباركة الجامعة التي لا تجمع ولا تنفع, ولم نكن نتوقع أن اجتماع الأقزام في الكويت سيضيف الرياح القوية لمهزلة التآمر على عمالقة الرافدين وليوث الميزوبوتاميا, ولم يخطر ببالنا أن النفوس المريضة ستنفث سمومها في ملاعب البصرة, وتخنق حلمها الكروي بين الزبير والخورة.
من كان يتصور أن البصرة العظيمة, أم العراق, وخزانة العرب, وعين الدنيا, وذات الوشامين, والفيحاء, وقبة العلم, ومدينة السندباد, وبندقية الشرق, والزاهرة المزدهرة تتعرض صورتها للتشويه بخناجر زعاطيط الخليج بذريعة عدم توفر الأمن والأمان بجوار الحسن أبن الهيثم؟, وبذريعة الخوف من عفاريت مالك بن الريب بين صفوان وجبل سنام ؟.
ثم من قال لكم أن البصرة انتظرت هذه السنوات العجاف لتستقبلكم بعد الآن, بعد أن تطاولتم عليها, وتعمدتم الإساءة إليها؟, ومن قال لكم أنها ستخضع لتقلبات أمزجتكم المشبعة باللؤم والأحقاد المعلنة والمستترة, لتستقبلكم في خليجي (22), أو حتى (44) ؟.
ألا يعلم هؤلاء أن كرامة البصرة أعلى وارفع وأسمى وأكبر وأغلى من اجتماعات رئيس الاتحاد الكويتي (سهو السهو), الذي فقد ذاكرته إلى درجة السهو والنسيان, ولم يعرف أن البصرة لن تهبط إلى المستوى, الذي يجعلها مجرد لعبة كروية في مضارب ومضاربات العرب المتأمركة, فلا خليجي (22) ولا بطيخ بعد الآن, ولن نسمح لكم بالتجاوز على تاريخ البصرة وسجلها الحافل بالروائع والبطولات والانجازات الحضارية العظيمة, التي تلألأت فوق ناصية المجد, وتقدمت بها على عواصم الدنيا كلها في الفنون والعلوم والآداب.
ربما هناك مدن تحتضر, وأخرى تنبعث من الرماد, وثالثة تنهار, وغيرها تدفنها كثبان النسيان, فترزح تحت وطأة الإهمال, ولا يشفع لها سجلها الحافل بالخيرات والعطايا الممتدة عبر القرون السحيقة, إلا ان البصرة وأخواتها تكاد تكون هي الاستثناء الوحيد من هذه القاعدة, فهي المدينة الخالدة التي لن تمزقها خناجر الغزاة, ولن تعصف بها رياح الصراعات المذهبية والسياسية والإقليمية, ولن تنهشها أنياب الدهر, ولن تنطفئ شعلتها لترقد في مقابر التاريخ, فليس من العدل ان تتحول إلى لعبة تتقاذفها هواجس كهنة الاتحادات الخليجية لكرة القدم, ليجتمعوا في (العديلية) ويقرروا مصيرها, فينقلوا ملاعبها إلى المنامة, بحجة أن الأمن في المنامة أكثر أمنا واستقراراً من الأمن في ضيافة عتبة بن غزوان, وان المنامة القلقة المشتتة صارت في حساباتهم أهدأ من البصرة المطمئنة الوادعة.
مفارقات عجيبة, ومواقف متناقضة بين الأمس واليوم, فما أسرع تجحفلهم بعدتهم وعدادهم, عندما اصطفوا خلف قوى الشر لينتهكوا حرمة البصرة, ويمزقوا ضواحيها بصواريخ التوماهوك, وما أبطأ تخلفهم عن إرسال أولادهم للعب في مرابعها وبين بساتينها, وهي التي قررت نسيان ما فعلوه بها من طعن وغدر وتحريض وتآمر, وانشغلت ببناء اكبر الملاعب وأعلى المدرجات, وأفضل الصالات.
ألا يعلم هؤلاء أن البصرة لها أسماء غير معلنة, مازالت تحتفظ بها في ذاكرة الطين والماء؟, أولم يعلموا أنها (الرعناء) في الشدائد, و(البأساء) في التعامل مع الأقزام والخفافيش والغربان, والأشد بأسا في التعامل مع الأقارب العقارب؟؟. .فأذهبوا لتلعبوا حيثما شئتم, وكيفما شئتم, فلن ترحب بكم ذات الوشامين بعد الآن. |