سألوا الزعيم النازي أدولف هتلر قبل وفاته: من أحقر الناس الذين قابلتهم في حياتك ؟؟. فرد عليهم: أحقر الناس الذين قابلتهم في حياتي هم أولئك الذين تنكروا لأوطانهم, وأعانوني على الإساءة لشعوبهم..
يقولون: عش رجبا ترى عجبا, فقد ظهر من العراق من يعدد أفضال الكويت علينا, فيمتدحها تارة, ويثني عليها تارة أخرى, ووصل به الغباء إلى سرد تلك الأفضال, التي (تكرمت بها الكويت على العراق), فالكويت في نظر (عماد مكية) مدير شركة (زين) للاتصالات, هي التي أنقذت الشعب العراقي من عصور الجهل والتخلف, وهي التي انتشلته من دهاليز الظلام, وهي التي فتحت أبواب (الخير) على ربوعه وروابيه, وكأنه لا يعلم أنها هي التي استجمعت صواريخ الدنيا كلها لدك مدننا وحرقها ونسفها وتدميرها, وهي التي سخرت مطاراتها ومنافذها الحدودية لجرذان الصحراء, وخفافيش البنتاغون, وقروش المارينز, وكلاب بلاك ووتر, وصعاليك الدبدبة ليشنوا غاراتهم الحاقدة علينا, وينسفوا بنيتنا التحتية والفوقية والوسطية. .
ثم يعود (عماد مكية) ليضع المبررات والمسوغات لخناجر البند السابع, ويجمّل صورتها البغيضة, فهو يرى: (( إن التعويضات التي يدفعها الشعب العراقي حق من حقوق الكويت الشرعية, كفلته لها المواثيق الدولية, ويرى إن شركة (زين) تمثل إحدى العلامات الفارقة لأفضال الكويت الكثيرة على الشعب العراقي, وان الذين ينكرون هذه الأفضال أغلبهم من ناكري الجميل)). .
لقد استفزتنا تصريحات هذا المنافق المنتفع من همرات الغزاة , المتمسح بأذيالهم, الذي باع ضميره الوطني بثمن بخس, وتنكر لعراقيته وإنسانيته, وتجاهل القنابل العنقودية والفسفورية والحمم, التي صبتها الطائرات فوق رؤوس أطفال العراق من شماله إلى جنوبه, وتجاهل قوافل الشهداء الذين سقطوا بعد الغارات, التي شنتها الصواريخ المنطلقة من أوكارها في الكويت, وتجاهل قوافل الأرامل والأيتام, التي خلفتها الفيالق الحربية المتجحفلة في حفر الباطن, وتجاهل الحصار الاقتصادي والثقافي والإنساني والغذائي, الذي فرضته علينا اللجان الدولية بتحريض من الكويت. .
ليست غريبة علينا هذه اللهجة المدفوعة بدوافع المصالح اللئيمة الضيقة, فقد اعتدنا سماعها من أصحاب الوجوه الزئبقية, ولم تكن ثرثرة (عماد مكية) مختلفة عن تصريحات الكويتي محمد باقر المهري يوم 28/2/2012, والتي قال فيها: ((على الشعب العراقي أن لا ينسى فضل الكويت عليه)).
الحقيقة إننا لسنا هنا بحاجة للرد على المهري, ولا على التبريزي, ولا على تابعهما (قفة), ولن تؤثر علينا مثل هذه التصريحات الاستفزازية التافهة, فالعراق عراق والكويت وكويت, وشتان بين مهد الحضارات الإنسانية كلها, وبين الدويلات الخليجية الصغيرة, التي خرجت توا من ثقوب الأبراج النفطية, ولا مجال للمقارنة بين إمارات النفط والغاز وبين مثوى الأبطال, ودار الخلافة, وصومعة الأئمة, ومهبط الرسالات, وبوابة الشرق, ومنارة العلم, وقلعة الجهاد, وأرض السواد, وأقوم البلدان قبلة, وأعذبها دجلة, وأقدمها تفصيلا وجملة. .
لكننا نتوجه لأصحاب الحل والعقد في عموم المدن العراقية بمجموعة من الأسئلة والاستفسارات, ونناقشها مع قادة الكتل السياسية المتنافرة والمتضافرة, من اجل أن نضع النقاط على الحروف, ونسمع منهم ما يقولونه بهذا الخصوص بعد اطلاعهم على التصريحات المتكررة, التي صرنا نسمعها هذه الأيام عن أفضال الكويت على العراق, وأفضال إيران على العراق, وأفضال تركيا على العراق, وأفضال الأردن على العراق, وأفضال (حسنة أم اللبن) على العراق, فهل سيأتي علينا اليوم الذي نسدد فيه فاتورة هذه الأفضال من عائدات النفط ؟, وهل يتعين علينا أن نمنح الأقطار (المتفضلة علينا) المزيد من التنازلات الحدودية حتى نسدد ما بذمتنا من ديون إضافية و(نرد لها الجميل) ؟, وهل بات من حق الانتهازيين العاملين في الشركات الاستثمارية أن يسيئوا إلينا وهم داخل العراق ونسكت عنهم ؟, وهل صرنا ملطشة للأقزام والصغار والمسوخ البشرية والكائنات الطفيلية؟, وهل من العدل والإنصاف أن يكون هذا حالنا في مواجهة هذه القرود المتقافزة فوق رؤوسنا ؟. .
لقد اختار الله العراق من بين أقطار السماوات والأرض ليكرمه بالمكرمات العظيمات, ويجعله مهدا للحضارات, ومنطلقا للسلالات, هنا هبط سيدنا آدم من الفردوس إلى جنات عدن عند اقتران دجلة بالفرات, فتشرفت (القرنة) بولادة الأهوار, ووقف الأنبياء بباب الإله (باب إيل), فكانت (بابل) رمزا للسبي البابلي, وأبحر سيدنا نوح بسفينته من قرية الرب (كروب إيل), فتشرفت (كربلاء) بولادة شمس الحرية والإنعتاق من الظلم, واجتمعت الآلهة الأربعة في (أرب إيل) فتحصنت قلعة (أربيل) ضد قوى الشر, وهنا سار أتونابشتم على الماء, وفي أوروك ولد سيدنا إبراهيم, فتشرف العراق كله بولادة خليل الله, وفي العراق ولدت عشتار, وتموز, وشبعاد, وحمورابي, ونبوخذ نصر, وآشوربانيبال, وجلجامش, وإنليل, وعاش السومريون والكلدانيون والبابليون والآشوريون والأكديون.
ختاما نقول: لقد تعلمنا في مدارسنا البحرية الأولية إن من يعش في النهر عليه أن يصادق التمساح, ولكن ليس إلى الحد الذي تصبح فيه الشواطئ مفتوحة للضفادع لكي تتطاول علينا بنقيقها, وتزعجنا بهذه الأساليب الدونية الرخيصة. . .
يا سيدي.. يا ضوء عيني يا عراقَ الأوفياءِ
يا صرخةَ العطشِ الذبيحِ يَظَلَّ من دون ارتِواءِ
أنتَ المُرَجَّى يا عراقُ وأنتَ عُنوانُ الرَّجاءِ
أنتَ المُعَنَّى يا عراقُ وأنتَ خاتِمَةُ العَناءِ
وَتَظَلَّ نَخوتُكَ العَظيمَة يا تُرابَ الأنبياءِ
صَوتاً يَهُزَّ الأرضَ عَلَّ الأرضَ تَشعُرُ بالحياءِ
مِمّا أحَطَّ ذِئابِها جَلَبَتْ عليكَ من البَلاءِ |