العدد 872 - 0014-12-25
  من نحن ؟ اتصل بنا الصفحة الرئيسية
الاخ العبادي.. هل سمعت بمنطقة الحسينية؟!    لجنة التحقيق: البيشمركة وسياسيون وقادة وراء سقوط الموصل    خيانة عظمى.. تأجيل التعويضات الكويتية «سنة» مقابل خنق ميناء الفاو    اليوم.. العبادي في تركيا لبحث ملفي مكافحة الإرهاب والنفط    معصوم ينتظر «الـوقـت الـمـنـاسـب» لزيارة إيران    محافظ الديوانية: مدينتنا متواضعة بالاقتصاد ومتقدمة بالأمن    التربية: لا وجود لدرجات وظيفية بسبب «التقشف»    المرجعيـة تـدعـو لإيجـاد سبـل لمحـاربـة «الـفـتـن» وتـحـذر: الـعـراق مـهـدد    الجبوري يستقبل رئيس وأعضاء مجلس مفوضية الانتخابات    المباني تنفذ مشاريع بأكثر من ترليون دينار في قطاعي المباني والخدمات    زيادة رواتب الحماية الاجتماعية العام المقبل    «الفرقة الذهبية» تصول على «داعش» في حدود الموصل ومقاتلوها على مشارف «الكسك»    «داعش» يستهدف «البغدادي» بــ «الكلور».. ووزير الدفاع يتوعد: سنسترد الأراضي المغتصبة    المسيحيون يلغون احتفالاتهم تضامنا مع الشهداء والنازحين.. والعبادي: انتم أصلاء    المستقبل العراقي .. تكشف اسباب عدم تسليم العراق طائرات الـ «F-16»    «داعش» يسقط طائرة حربية اردنية ويأسر قائدها في الرقة    انقرة متورطة.. جنود أتراك يتحدثون مع مقاتلين «داعشيين»    تسلق واسترخاء في جبال اليابان المقدسة    الأسـواق .. حكمـة الحشـود تزيح جنـون الغـوغـاء    الإنــتـاجـيـة تـحـدد آفـاق بـريـطـانـيـا الاقـتـصـاديــة    
 

إحصائيات الموقع
الزوار المتواجدون حالياً : {VISNOW}
عدد زيارات للموقع : {MOREVIIS}


حالة الطقس
غير متوفر الطقس حاليا

البحث
البحث داخل الأخبار

الأرشيف


مقالات

إستفتاء

كيف ترى مستقبل العملية السياسية في العراق






صور مشرقة من بلادي .. عائلات عراقية احترفت الملاحة وصناعة النفط
كتبت بتاريخ : 2012-05-30
ينتسب (آل سمعان) إلى القبائل المسيحية الموصلية, التي احترفت الفلاحة والزراعة في غابات الموصل الحدباء لعشرات القرون, وامتدت جذورها في أديم هذه الأرض الطيبة إلى قديم الزمان, من دون أن يفكر أبناؤها بمغادرة قراهم الريفية العتيقة, لكنهم شرعوا بالهجرة إلى المدن العراقية الوسطى والجنوبية على شكل دفعات فردية بعد الحرب العالمية الأولى, وكان (سليم ميخائيل سمعان) من بين الذين قرروا النزوح من الحدباء إلى الفيحاء, فترك الفلاحة لينخرط في عالم الملاحة, ويثبت أقدامه على ضفاف شط العرب.  ولد (سليم ميخائيل) عام 1917 في الريف الموصلي الجميل, والتحق بالخدمة العسكرية عام 1935, وحصل على وسام الشرف في معارك التحرير عام 1948, عن شجاعته وكفاءته في صنف المخابرة اللاسلكية, ضمن صفوف القوات العراقية الباسلة المتجحفلة شمالي الضفة الغربية  في (جنين) بفلسطين, وكان أول من أبرق أنباء الانتصارات الميدانية الساحقة ضد عصابات منظمة (الهاجانا), في معركة شرسة بالسلاح الأبيض دارت رحاها هناك من الثاني إلى الرابع من حزيران, أصيب فيها المخابر (سليم) بصدره, ثم تماثل للشفاء والتحق بصنوف القوة الجوية ليكمل مشواره مع أجهزة المورس البرقي بتردداتها المتداولة آنذاك. .  تسرح (سليم) من الخدمة العسكرية عام 1952 ليلتحق بوظيفة (مأمور لاسلكي) في مطار البصرة الدولي, الذي كان مرتبطا وقتذاك بسلطة الموانئ العراقية, فوجد المجال مفتوحا أمامه لممارسة الأنشطة المينائية المتشعبة, ووقع اختياره على محطة الادلاء البحريين العاملة في عرض البحر, فاندمج في عوالم المخاطبات اللاسلكية, الصوتية والبصرية, وكان من خيرة الضباط الذين قدموا أفضل الخدمات لخطوط الشحن البحري, فأبرق رسائل السفن التجارية المترددة على الموانئ العراقية, ووقع عليه الخيار لمرافقة السفن العراقية في رحلاتها المكوكية بين الفاو وبومباي في الهند, وظل في وظيفته اللاسلكية إلى اليوم الذي التحق فيه ابنه (سمير) بالموانئ العراقية عام 1970.  كان (سليم) من خيرة الضباط الذين أسهموا في تطوير محطات البث اللاسلكية في البصرة, وتعاملوا بمرونة تامة مع السفن المقبلة والمغادرة, فارتبط مهنيا وروحيا بالسفن والمرافئ والأرصفة, حتى أنهكه المرض بعد عمر طويل, فرحل عام 1996 إلى المستشفيات الامريكية لتلقي العلاج, وشاءت الأقدار أن يموت في الغربة يوم 12/نيسان/2005. . ربما كان لتعلق (سليم) بمهنة خاله الكابتن البحري العراقي (توماس دويشا) الأثر الكبير في تحسن مهاراته البحرية, وكان خاله الثاني (يوسف دويشا) مديرا لمركز جمارك رصيف العشار على ضفاف شط العرب, لم يكن لكابتن (توماس) أولاد, لأنه عزف عن الزواج حتى مماته, أما شقيقه (يوسف) فتزوج من فتاة لبنانية جميلة, أنجبت له ست بنات, نذكر منهن (رجاء, وسلمى, ولبنى, وسلوى), جميعهن متزوجات, ويعشن الآن في مدينة (ديترويت), ومن نافلة القول نذكر إن (بيت دويشا) من وجهاء المجتمع المعروفين بثقافتهم وثرائهم وسمعتهم الطيبة في البصرة, وكانت لهم إسهامات كبيرة في التجارة الحرة, وفي تطوير أحواض المملحة البحرية بالفاو.  تميز الكابتن (توماس) بمهاراته الملاحية, وكفاءته الإدارية, وقدراته الفائقة في سلك الإرشاد البحرية, وكان معروفا بلباقته وأناقته ومكانته الكبيرة في عالم النقل البحري. ومن المؤكد إن (توماس) هذا كان هو القدوة الحسنة, فاقتدى به الكابتن (سمير بن سليم ميخائيل), الذي ولد في الموصل عام 1949, وانتقل مع والده (سليم) إلى البصرة وهو في سن الرابعة.  بدأ (سمير) دراسته الابتدائية في مدرسة (المربد) بالعشار, وأكملها في مدرسة (الرشيد) الابتدائية بالمعقل, وشاءت الظروف أن يكون من ضمن التلاميذ الذين شملهم البرنامج التدريبي (خذوهم صغارا), الذي تبناه المُصلح الكبير (مزهر الشاوي) في ستينيات القرن الماضي, وكان يتلخص بإرسال أبناء العمال والموظفين, الذين أكملوا الدراسة الابتدائية, والسماح لهم بمواصلة الدراسة الإعدادية والجامعية في بريطانيا, ومن ثم التخصص في المهن المينائية, على نفقة مصلحة الموانئ العراقية, التي تكفلت بتغطية النفقات كلها من لحظة انطلاق الطائرة من مطار البصرة, وحتى يوم عودتهم إلى أرض الوطن.    كان (سمير) من أفراد الدفعة الطلابية التي غادرت البصرة إلى المملكة المتحدة عام 1962, كانوا تسعة طلاب. نذكر منهم: الكابتن حسين محمد عبد الله اللعيبي (المدير العام الأسبق للموانئ العراقية   بعد عام 2005), والكابتن جبار سعيد (ممثل شركة الملاحة العربية المتحدة في العراق), وحسن كاظم, ومؤيد عارف, وعبد الصمد مولان, وحسن الدبوني. .  التحق سمير أول مرة بمدارس مدينة (هرنبيي), في مقاطعة (كيت) بانجلترا لأكثر من سنتين دراسيتين, التحق بعدها بكلية (وستر) البحرية, وهي عبارة عن سفينة  شراعية عملاقة من السفن التجارية القديمة, اسمها (H.M.S. Worcester), مقسمة إلى قواطع طولية وعرضية, ومقاطع دراسية, تضم قاعات للمنام, وصالات للطعام, وتكاد تكون شبه متوقفة على مراسيها (مخاطيفها) في نهر التايمس.  التقى (سمير) على ظهر سفينة التدريب مجموعة أخرى من مجاميع الطلاب العراقيين الذين أوفدوا للدراسة على نفقة الموانئ العراقية, نذكر منهم: ضياء توفيق, وأكثم أحمد, وواثق الأزدي, ومصطفى الرديني, وهاشم نعمة, وعادل محمد عبد المحسن.   ثم غادر بريطانيا للتدريب العملي في عرض البحر على سفن شركة (Strick Line), لأكثر من عامين متواصلين, وكان معه على ظهر الباخرة (بلوجستان) زميله (مؤيد عارف), وشاءت الصدف أن تكون هذه الباخرة من السفن التجارية المترددة على ميناء البصرة بالمعقل, وعمل أيضا في الفترة نفسها على بعض بواخر الشركة البريطانية, نذكر منها: الباخرة (تركستان), و(بهارستان), و(سربستان), كانت أسماء هذه البواخر تنتهي بكلمة (ستان), وتكاد تكون متخصصة بنقل البضائع من والى موانئ شط العرب لنقل التمور والحبوب والمنتجات الزراعية العراقية الأخرى, وما أن انتهت مرحلة التدريب العملي حتى انتقل مباشرة إلى كلية (ساوث شيلدز) البحرية, الواقعة في ضواحي المدينة التي حملت اسمها, وكان في الطلاب الموهوبين, إذ استطاع أن يستوعب المناهج التفصيلية كلها في غضون ستة أشهر فقط, نجح بعدها في أداء الامتحان النهائي وتخرج فيها بدرجة (ضابط بحري ثان), وهي الدرجة التي تؤهله للعمل بوظيفة ملاح متمرس على ظهور السفن العابرة للمحيطات, فسجل بهذا النجاح الباهر رقما قياسيا للعراق على لوحة الشرف في قاعة التكريم لكلية (ساوث شيلدز), عاد بعدها الى العراق مسلحا بالخبرة والمهارة والكفاءة, فأخذته الموانئ العراقية بالأحضان في السادس والعشرين من آب من عام 1970, وألحقته بأسطولها المحلي, فعمل على سفن الحفر البخارية (كركوك), و(السليمانية), و(كربلاء) لغاية الشهر التاسع من عام 1973, عاد بعد ذلك التاريخ للعمل في البحار المفتوحة على ظهر الباخرة العراقية (بابل) وهي من سفن الأسطول البحري العراقي في قمة ازدهاره, واستمر على ظهر الباخرة (بابل) لأكثر من ثلاث سنوات, إلى أن جاء بديله الكابتن (سمير الركابي),  فغادر البحار الواسعة في منتصف عام 1976, ليلتحق ثانية بسفن الحفر الحديثة, ثم عمل على الباخرة (المربد), والباخرة (الصمود), حتى صار مؤهلا لتسلم قيادة السفينة (الخليج العربي) بعد وصولها من ألمانيا, وأصبح هو ربانها.   كان (سمير) من خيرة الربابنة المعروفين بالتزامهم الوظيفي, ثم التحق بتشكيلات قيادة القوة البحرية والدفاع الساحلي, لأداء الخدمة العسكرية الإلزامية, فنسب للعمل بدرجة (مدرس) في الكلية البحرية التابعة لأكاديمية الخليج العربي للدراسات البحرية, فعمل في سلك التدريس إلى جانب الكابتن (نزار جرجيس بني), والكابتن (أكثم أحمد عبد الحليم), ثم عاد بعد التسريح من الخدمة ليعمل في ميناء أم قصر بدرجة ربان مرفأ من عام 1990 حتى نهاية 2001, ثم غادر العراق إلى غير رجعة بسبب الظروف المعيشية والأمنية القاسية, فهاجر إلى الولايات المتحدة الامريكية, واستقر مؤقتا مع عائلته في ديترويت, ثم انتقل إلى الجنوب ليعيش في مدينة (سان دييغو) الجميلة بولاية كاليفورنيا, فاستقر هناك مع زوجته الوفية (السيدة أميرة أم سرى), وأولادهم: (سرى) من مواليد البصرة 1979, وهي الكبيرة متزوجة من عراقي مغترب (رعد), وتعمل في رياض الأطفال, وابنهم الكبير (سامر) من مواليد بغداد 1983, ويعمل في شركة لشحن المواد الطبية إلى جنوب شرقي آسيا, وهو متزوج من عراقية مغتربة (نبراس) تعمل صيدلانية, وابنهم (سلام), وهو من مواليد بغداد 1988, يواصل دراسته المسائية في هندسة شبكات الانترنت. .  ومن عجائب الأمور وغرائب الدهور إن الكابتن سمير سليم ميخائيل خدم الموانئ العراقية لأكثر من (35) عاما في عرض البحر من دون أن يكافأ على خدمته الممتازة, ومن دون أن يحال إلى التقاعد, وأصبح من ضمن المفصولين من الوظيفة, بموجب أحكام قانون الخدمة البحرية المدنية, بغض النظر عن الظروف القاهرة, التي اضطرته للهجرة عام 2001.  لقد خسر العراق ثروة لا تقدر بثمن عندما تغافل عن هجرة العوائل المسيحية, وارتكب اكبر هفواته عندما سمح للقوى الهمجية بتهجيرهم بأساليبها الاستفزازية الظالمة, ففقدت البصرة أعز ما لديها في غضون بضعة أعوام, كانت فيها هي الخاسرة, في خضم الفوضى الأمنية التي روعت التجمعات السكانية المسالمة, حتى امتدت يد الظلم لتسهم في تشريد آلاف العوائل, بمؤامرة خبيثة استهدفت تفريغ العراق من مقوماته الديموغرافية الضاربة في عمق التاريخ, ولسنا مغالين إذا قلنا ان لهذه الأسر المسيحية في البصرة الدور الريادي الأكبر في رفد الحركة الملاحية بأصحاب المواهب الفذة, والنفوس الطيبة, والعقول المنتجة, المسلحة بأدوات الرقي الحضاري, ولم يبق منهم الآن سوى الكابتن (عماد كامل عبودي), والمرشد البحري (رمزي إيشو داود), وطويت تلك الصفحات الذهبية من سجلات الموانئ, التي كانت مزدانة بباقة كبيرة من الربابنة والمهندسين المسيحيين, نذكر منهم الكابتن عصام عمسو, وسمير ناصر بولص, ونزار جرجيس بُني, ووليد لويس هيلو, وأميل أواديس, وأمجد فرنسيس, والمرشد البحري فرج بُني, وبسيم دورنة, ونبيل كامل رزوقي, وروحي فرج دانو, ووديع بطرس, ويوحنا نعمان, والمهندس بهنام عزيز فتوحي, وعصام خوشابا, وصباح جميل بولص, ووارتكيس اواكيم, وانترانيك نهاديت, وأوانيس ماردروسيان, والمتخصص بالرفاسات البحرية المرحوم مانؤيل فتوحي, ومن المهندسين الذين أسهموا في تنفيذ المشاريع المينائية نذكر رئيس المهندسين غازي سعيد نعوم, وإلياس حنا مدبّك, والمرحوم أدمون حناوي, ووارتكيس مهرانيان, والمساح البحري الأقدم المرحوم الكسندر فرجيبيان.  كان هؤلاء الرواد من المبدعين والموهوبين هم الذين شاركوا مشاركة فاعلة في رسم الصور الزاهية لموانئنا بعد منتصف القرن الماضي, وهم الذين عززوا مسيرتها بوطنيتهم الصادقة, وصفاء قلوبهم المفعمة بالحب والوفاء, وهم المعين المتدفق بعطاء الطاقات الاستثنائية النادرة, فكانوا من أهم مقومات النجاح والتألق في الزمن الجميل, وكم تمنيت أن يكون مستقبلنا بجمال ماضينا, لكننا سنبقى هنا بانتظار فجر جديد, وشروق جديد, وأمل جديد, يجمعنا وإياهم في أحضان مهد الحضارات.  ميادين الابداع وعلى صعيد متصل فان المشرق من الصور الأخرى في البلاد عموما والبصرة خصوصا سيرة ومواقف اللعيبي, ونعني به رئيس المهندسين الأقدم الأستاذ جبار علي حسين اللعيبي, الرجل الذي وقف بوجه العاصفة في أحلك الظروف, فكان من أكفأ اللاعبين في الميادين النفطية, قرأنا وسمعنا عنه الكثير في الصحف الأجنبية والعربية, وتحدث هو عن نفسه بصراحته المعهودة في كتابه الموسوم (تحديات في الزمن الصعب), لكننا لم نعد نسمع شيئاً عنه وعن انجازاته الجديدة منذ أن غادر مكانه في الإدارة العليا لشركة نفط الجنوب, فتذكرنا قول شاعر بني حمدان: سيذكرني قومي إذا جد جدهم وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر كان لزاما علينا العودة إلى الزمن الصعب, إلى المرحلة التي كانت فيها شركة نفط الجنوب تقف وحدها في مواجهات الهجمات البربرية الشرسة, التي شنتها ضدها القبائل المنفلتة, لنعيد إلى الأذهان تلك المشاهد التي قاومت فيها الشركة غارات عصابات متعطشة للعنف, أعماها الجشع, وأغراها الطمع, وأوهمها الباطل بشرعية ما تقوم به من نهب وسلب وتخريب وابتزاز, حتى وصلت الأوضاع في خريف عام 2003 إلى اليوم الذي اقتحم فيه ثلاثة من رؤساء القبائل المنفلتة في البصرة مقر شركة توزيع المنتجات النفطية, فهددوا مديرها بقوة السلاح, وطالبوه بتزويدهم يوميا بخمسين طنا من مادة زيت الغاز بالمجان ولمدة ثلاثة أشهر كحق (شرعي) من حقوقهم (الموروثة والمكتسبة), بذرائع وحجج واهية توحي بعودة الزمن إلى شريعة الغاب, فهرع اللعيبي لنجدة زملائه في أرصفة (المفتية), ودخل في مفاوضات مميتة مع رجال القبائل المنفلتة, الذين لم يترددوا من إضافة مطلب آخر إلى مطالبهم الابتزازية, عندما طالبوه بالتنازل عن سفينة الإسناد (النسر) لتوظيفها في تجارتهم, أو لغرض الاستفادة من أجزائها الميكانيكية في مشاريعهم الفوضوية. انتهت المفاوضات بانتصار الحق على الباطل, وخرج الثلاثة مدحورين مهزومين, وكان اللعيبي هو الفائز بما عرف عنه من حكمة في التعامل الحازم مع البرابرة.  كانت هذه صورة واحدة من آلاف الصور التي تراكمت فوق بعضها البعض لترسم المشهد المأساوي للظروف التي مرت بها شركة نفط الجنوب في البصرة بعد عام 2003, والتي كان فيها اللعيبي هو اللاعب المتميز في مواجهة التحديات الفوضوية الخطيرة.   لقد تعرض القطاع النفطي بعد أحداث عام 2003 إلى هزات عنيفة تمثلت بسلسلة متواصلة من عمليات النهب والسلب والتخريب والدمار, لكنها لم تصل إلى مصفى البصرة بسبب وقوعه عند مقتربات الخطوط القتالية للقوات البريطانية الزاحفة نحو البصرة, فجأة انهار كل شيء واختفت المنشآت النفطية من فوق سطح الأرض, كان اللعيبي شاهدا معنا على تداعيات هذه الفوضى العارمة التي اكتسحت البصرة, ففكر بترك العمل في القطاع النفطي والتوجه إلى مزاولة مهنة أجداده في تجارة التمور عبر المنافذ المينائية, بيد انه لم يستطع تنفيذ تلك الفكرة بسبب الضغوط الكثيرة التي انهالت عليه من وجهاء البصرة, فأناطوا به مهمة الإشراف على القطاع النفطي في الجنوب, والذي كان وقتذاك عبارة عن أشلاء مبعثرة في جوف الصحراء, كانت سحب الدخان الأسود تخيم على أجواء البصرة, وأصوات الانفلاقات الجوية تهز أركانها في الليل والنهار, وألسنة النيران تلتهم ما تبقى من مخازن الشركة في باب الزبير, لكنها لم تكن حتى تلك اللحظة بمنأى عن غارات اللصوص والمخربين والعابثين, الذين كانوا يحملون الأسلحة النارية الخفيفة والخناجر والسكاكين.  بيد ان تلك الأيام لم تثن عزيمة القوى الخيرة من الوقوف صفا واحدا بوجه العناصر الشريرة, فتضافرت سواعدهم الوطنية لنجدة الشركة, وشرعوا ببنائها من مرحلة الصفر بمواردهم الذاتية المتواضعة, فاستأجروا في بداية الأمر سيارة واحدة تنقلهم يوميا إلى حقول الرميلة الجنوبية, وهيئوا لهم غرفة واحدة خارج مبني الشركة, أثثوها حينذاك ببعض قطع الأثاث المكتبي المبعثر هنا وهناك, كانت تلك الغرفة هي النواة التي كتب لها النجاح في رسم خطوات البناء ومواجهة التحديات الصعبة, في ظروف قلقة لا تتوفر فيها ابسط مستلزمات الأمن والأمان, وفي غياب تام لسلطة الدولة المنهارة, ووفي خضم  طغيان عصابات النهب والسلب, في الوقت الذي كانت فيه القوات البريطانية الزاحفة نحو البصرة تغض النظر عن تحركات اللصوص, وتوفر لهم الغطاء اللوجستي لتنفيذ أعمال التخريب والحرق والتدمير.  وعلى الرغم من كل المعوقات والعراقيل والصعاب التي واجهتها الشركة, استطاعت أن تتجاوز الخطوط الصفرية وتستعيد بعض عافيتها القديمة, مقتنعة بالحد الأدنى من النجاحات الطفيفة المحدودة, حتى استطاعت في 7/4/2004 أن ترتقي بمستوى الإنتاج إلى (50) ألف برميل يوميا, وقفزت في نهاية الشهر السادس من العام نفسه إلى (500) ألف برميل يوميا, وقطفت في منتصف الشهر السابع ثمار نجاحها بتصدير أول شحنة من النفط الخام, وتصاعدت وتيرة الإنتاج في منتصف عام 2004 لتتجاوز الأرقام المسجلة قبل السقوط بجهود عراقية خالصة, ومن دون أية مساعدة أجنبية من الخارج, فاستصلحت أكثر من (300) بئر نفطية, بينما توقف إنتاج الغاز كليا في حدود المعدلاته الصفرية حتى يوم 7/4/2003, لكنه استعاد نشاطه ابتداء من حقل الزبير الذي أنتج ولأول مرة (70) مليون قدم مكعب يوميا, ولحق به حقل (نهران عمر) لينتج ولأول مرة نحو (80) مليون قدم مكعب يوميا, وما أن دارت الأهلة دورتها حتى أصبحت شركة نفط الجنوب في طليعة الشركات العراقية المنتجة بقيادة اللاعب الأساسي لفريقها المتميز في الإبداع والإنتاج والتألق والتفوق, فسجل اللعيبي أروع انجازاته ببناء المجمعات السكنية المعاصرة والتي احتضنت أكثر من (1730) دارا سكنية, وزعها على العاملين في القطاع النفطي, واستطاع أن يشيد (23) مستوصفا طبيا مجهزا بالكامل بالمعدات الطبية الحديثة, واستطاع أن يبني مجموعة متكاملة من دور الاستراحة في البصرة والرميلة والبرجسية, و(14) مسجدا, وتبليط عشرات الكيلومترات من الطرق, وبناء الجسور والقناطر, والقيام بحملات تشجير شاملة لمدينة البصرة, وتزيينها بالواجهات الجميلة, وقام اللعيبي أيضا ببناء معاهد التدريب والتأهيل, ومراكز الحواسيب الحديثة, وتوزيع (5500) قطعة سكنية على منتسبين الشركة في مناطق الطوبة والنخيلة, وحصل على (6000) قطعة أرض في منطقة شط العرب لصالح المنتسبين, ووضع الحجر الأساس للبرج النفطي الذي سيتوسط مركز المدينة (عند المكينة), وهو برج حديدي مؤلف من (16) طابقا. حملت مذكرات الرجل سجلا حافلا بالمنجزات الميدانية الرائعة, نذكر منها: تطوير حقل (مجنون) وتحقيق طاقة (100) ألف برميل يوميا, تطوير حقل (غرب القرنة) وتحقيق طاقة (350) ألف برميل يوميا, تطوير حقل (حلفاية) وتحقيق طاقة (30) ألف برميل يوميا, التطوير الإضافي لحقل (اللحيس), وتحقيق طاقة (75) ألف برميل يوميا, تطوير مكمن (العطاء الثالث) في حقل الزبير, وتحقيق طاقة (180) ألف برميل يوميا, تطوير حقل (إرطاوي) وتحقيق طاقة (50) ألف برميل يوميا, تطوير حقل (الطوبة) وتحقيق طاقة (20) ألف برميل يوميا, تطوير مكامن مشارف الرميلة الجنوبية, التطوير الجزئي لمكمن (السجيل الأعلى), وتحقيق طاقة (40) برميل يوميا, التطوير الإضافي لحقل (بن عمر), وتحقيق طاقة (40) ألف برميل يوميا, تطوير حقل الناصرية, وتحقيق طاقة (20) ألف برميل يوميا, تطوير حقل (نور ميسان), وتحقيق طاقة (15) ألف برميل يوميا, بناء المحطات النفطية في الحقول الحدودية, عند (الرطﮜـة), و(صفوان) المحاذية للحدود الكويتية, ومحطات (الفكة), و(أبو غراب) في ميسان بمحاذاة الحدود الإيرانية, والاهتمام بحقول (الناصرية) وتطويرها.  كانت هذه هي الملاعب التي لعب فيها اللعيبي, والتي حقق فيها فوزا متقدما في ظروف استثنائية قاهرة, فأين هو الآن ؟, وماذا يعمل ؟, كان وحده كتيبة من الرجال الأشداء, يتنقل في قلب الصحراء بين ملاعبه النفطية, يتفقد معدلاتها الإنتاجية من النفط الخام, يستمع بعمق إلى مواقف المهندسين والفنيين, يبتكر الحلول المناسبة لكل العقبات التي تواجههم, كان متألقا في أدائه الإداري والإنتاجي, دقيقا في قراراته القائمة على أسس التشاور الفوري المباشر بين الأعلى والأدنى, قريبا من قلوب الناس في البصرة وضواحيها, كسب ودهم من دون تضليل, ونال احترامهم من دون تطبيل, فتبوأ مكانة مرموقة في ذاكرة البصرة, وجاء ترتيبه في المركز الثاني بعد مزهر الشاوي رحمه الله, ولسنا مغالين إذا قلنا إنه حاول أن يقتفي أثر الشاوي, وينتهج نهجه في تجميل مدينة البصرة وشوارعها, لكنه غادر موقعه فجأة, وتوارى عن الأنظار, فخسرته البصرة, وانقطعت صلته بملاعبه النفطية التي تألق فيها, وكان كمغنية الحي التي غابت عن الأنظار, ولم نعد نسمع ترنيمتها الجميلة على ضفاف شط العرب. . قديما وقف أبو الفرج ابن الجوزي على مشارف العراق, رافعا عقيرته بهذه الأبيات الخالدة من بحر (المتقارب): عَذيري من عُصبةٍ بالعراق وقلبهم بالجفا قُلَّبُ يرون العجيبَ كلامَ الغريبِ وأمّا القريب فلا يُطرِبُ وعُذرُهمُ عند توبيخهمْ (مُغَنية الحَيِّ لا تُطرِبُ) وربما سمعه القاضي (ابن عبدوس) وهو في صومعته الأندلسية, فنسج على منواله هذه الأبيات الجميلة: أراك ظريفاً مليحَ الجوابِ فصيحَ الخطابِ فما تطلبُ فقال أما قد سمعتَ المقال (مُغَنَّيةُ الحَيِّ لا تُطرِبُ) كان هذا في قديم الزمان, اما اليوم فيبدو إن مغنية الحي مُنعت من الغناء نهائيا, وأغلب الظن إنها فقدت مكانتها في المنتديات النفطية العراقية, ولا ندري إن كانت تعرضت للإصابة بشظايا ظاهرة وأد الكفاءات, فأقعدتها عن العمل ؟, أم إنها مازالت تعوم ضد تيارات المحاصصة السياسية بانتظار من يرمي لها طوق النجاة فينتشلها من بحر الإهمال, ويعيدها إلى شواطئ التكنوقراط ؟.


  اتصل بنا روابط سريعة
 
برمجة و تصميم eSite - 2013
للإتصال بنا عن طريق البريد الإلكتروني : info@almustakbalpaper.net
الرئــــــــيسية سياسي
محلي عربي دولي
اقتصادي ملفات
تحقيقات اسبوعية
فنون ثقافية
رياضة الأخيرة