كل الدلائل تشير إلى إننا أصبحنا نتقلب فوق كفوف العفاريت, وإن الأزمات الخانقة التي جثمت على صدورنا في السابق, إبان الحروب الطاحنة, وما رافقها من حصار جائر, وعمليات إرهابية مدعومة من الخارج, ومجاعات حقيقية, لم تكن تهدد العراق, بالقدر الذي تهدده اليوم التقلبات السياسية العنيفة, التي أودت بالتحالفات الهشة, ونسفت جسور التلاحم الوطني, تحت وطأة التحالفات الخفية الجديدة المشحونة بالأفكار الداعية للاستحواذ على الحكم, حتى لم نعد نمتلك القدرة على فك احجيات التصريحات المشفرة, في ظل هذه الأجواء المتوترة, التي زادت من تعقيدات المشهد العراقي, فتشوهت ملامح صورتنا المستقبلية, بين من يطالب بسحب الثقة من رئيس الوزراء, وبين من يذود بالدفاع عنه, وبين من يطالب بتفعيل الإصلاحات الفورية, اللازمة لتحسين صورة المحاصصات السياسية والطائفية والعرقية بالاتجاه الذي يحقق المزيد من المكاسب السلطوية للأطراف المتناحرة والمتنازعة والمتفرجة والمحرضة والممولة, من دون أن تلوح في الأفق أية بوادر صادقة للمصالحة أو التهدئة, فتصاعدت حدة الجدل الساخن في العواصم العراقية المستحدثة في أربيل والنجف, وتركت الأبواب والنوافذ مفتوحة, فتسللت منها عفاريت دول الجوار كلها, باستثناء سوريا التي غابت هذه المرة عن الوليمة, فحلت محلها دولة قطر المتخصصة في قلب الكيانات العربية, وقيل إنها تبرعت بثلاثة مليارات دولار من الأرصدة المخصصة لتفكيك الوطن العربي, وبيعه في سوق الخردة لحساب النظام العالمي الجديد. .
لن تنتهي مشاكل العراق بعد انتهاء النظام السابق, ولن تنتهي بانتهاء نظام علاوي, ولا بانتهاء نظام المالكي, ولا بانتهاء النظام الذي ستأتي به الأقدار في السنوات اللاحقة, لأن المطلوب في حسابات القوى الغاشمة إنهاء العراق نفسه, وتشريد شعبه, والاستحواذ على ثرواته, وهذه هي الحقيقة القاتلة التي لن تحجبها عفاريت السيرك السياسي, التي شرعت منذ زمن بعيد بالسير على النهج الذي رسمته لها القوى الطامعة بالعراق, ونفذت مشاريعها الخبيثة لتدميره, تارة بفرض الحصار الغذائي والتعليمي, وتارة بإنزال مقصلة البند السابع على رقاب العراقيين, وتارة بقطع شرايين الأنهار من منابعها الإيرانية, وتارة بإقامة (22) سدا عملاقا في هضبة الأناضول التركية لتجفيف دجلة والفرات, وتارة بإطلاق الأفاعي الاستوائية في الناصرية, وإطلاق التماسيح في الديوانية, وإطلاق القروش القاتلة في (سوق الشيوخ), وإطلاق الكلاب المستذئبة في البصرة والرمادي, وتارة بتدمير آثار العراق, وسرقة ثرواته وكنوزه, وتارة بتحويل تربة العراق إلى كتلة أسفنجية ممتلئة بثقوب الآبار النفطية التي غطت مساحة العراق من شماله إلى جنوبه بجولات التراخيص التي لا نفهم منها شيئا, وتارة بالارتكان إلى السياقات العشائرية البدائية في حسم النزاعات القائمة بين المجاميع والأفراد, وتارة بالعودة إلى ترويج الأفكار الطائفية, وتسويقها في مواسم الانتخابات, وتارة بالتغاضي عن الذين سرقوا قوت الشعب, وتارة بتوفير الدعم المطلق لورش الموت بالأحزمة الناسفة, وتارة بالسماح للمليشيات المسلحة بالنمو والانتشار على حساب الأمن والاستقرار, وتارة بتعطيل الإنتاج الزراعي والصناعي والاعتماد على استيراد المواد الغذائية من أردأ المناشئ, وتارة بالدعوة لتكريس الجهل والأمية, وتشجيع ظاهرة الحواسم والسماح بالتجاوز على الممتلكات العامة, وربما يطول بنا المقام لرسم صورة القلق اليومي الذي يعيشه المواطن العراقي البسيط فوق كفوف العفاريت. والله يستر من الجايات. |