كانوا يستدلون على جثث قتلاهم في الصحراء من جهة الغربان المحومة في السماء ..أينما كانت الجثث تقاطرت الغربان، ودارت وحومت فوقها وحطت عليها ...ومن يعرف فصول وأنواع الكوارث والنكبات والأحزان التي تعاقبت على الشعب العراقي، سيعرف ويتيقن بان من يطلبون الأمجاد والسلطات والمغانم في العراق إنما من صنف الغربان ومخلوقات الشؤم ..ما دام العراقيون قد مروا بكل ما مروا به وتركهم في إعياء شديد وفي وضع يدعو للنجدة والإنقاذ وإعادة الوعي ..والأكيد ان من يطلب الجاه والسلطان والترف وسط مأتم او مقبرة او مستشفى لا بد ان يكون متبلد الشعور والإحساس والضمير ,وسيجد في اركاس الغريق، وفي زيادة الحرائق وفي خنق المحتضر عملا يستحق الشكر والتقدير ..وشكر السماء على هذه الفرصة فهو لا يرى، بحكم استعداداه وخواصه، غير ماظفر به وما حل عليه ..وهل يلوم الغراب نفسه لانه غراب ,ويتضايق لان هناك فطائس ؟؟
لقد رأينا مثل هذا النموذج وان ارتدى مسوح الرهبان وتزيا بالاديان والطوائف وصنوف العرفان ..وانه غراب وان تأنق ولمع وجهه ورطن لسانه ...ولكنه لم يأخذ من الغراب حدة بصره ولا شدة حذره ,ولا يخطر له ان الشعب العراقي ماكر يتظاهر بالنوم والغفلة ,ولكنه وقت الحساب لا أكثر يقظة منه ...ولم يأخذ السياسي من الغراب غير الزهو وقلة الوفاء ..
تجربة الحصار الأمريكي وحدها تكفي لتشويه وإفساد وتحطيم أقوى شعب ..فقد خبز التراب واكله ,وكان في يوم قيامة امتد لثمان سنين تحول الى مجرد فم و يريد ان يعيش وحاله يصرخ متمنيا مصير أي حيوان ويتمتع بشروطه ويقتات على الأدغال ...وهذا ما لم يكابده بعض (المناضلين)..لان من كابده واصل نضاله وتقواه وعراقيته الطاهرة من أي تلوث والعصية على أية خديعة والبعيدة عن التسميات والعناوين ,وكل ما انطلى على البسطاء والمساكين والمنتفعين والمتكسبين من الطائفية وأخواتها ...
السياسي الذي لم تكفه كل هذه السنوات ليعرف حال العراقي ودرجة إعيائه وحجم إصابته ، ومدى استحقاقه للنجدة لن يعرفه أبدا ..فما حال السياسي ان حام ليسرق حتى رمقه ورأى في أجواء احتضاره التماعات أجواء سعيدة ؟ من الطبيعي ونموذج الجحيم هذا ان يسجل البلد صدارته العالمية في الفساد ..وان يتساوى كل المختلفين أمام الغريق ..وأمام الحريق... وأمام شعب حلت عليه كل الأهوال ..ينتظر من السياسي نجدته ,ومن ثم مواساته .. لا الاختلاف حوله ومضاعفة إرهاقه
|