|
وأرض العراق تبكي ألما وأسفا وحياء على توالي موت عظمائها في الغربة.. وتناسلت مقبرة الغرباء الى مقابر واقيمت لها فروع في بلدان العالم... ونتمنى لو اجريت احصاءات ومتابعات حقيقية وصادقة, وغير عراقية, عن اعداد العراقيين, ومنهم المبدعون والنوابغ في ارض الله الواسعة, ومن ماتوا حسرة لان قبورهم لا ينيرها قمر العراق...
النابغ العظيم الخلاق من حق من يعرفه ويقدر معناه ويرى حجمه.. ويحق للدول والشعوب التي آوتهم واحتضنتهم ان تدعي بهم وتنسبهم لها.. مثلما ينسب المربي ابوته للوليد الذي التقطه ورعاه ورأى معنى حياته... فالشعب او المجتمع لا يرى ولا يعرف العظيم دون ان يتمتع بمزايا وخواص تتصل بالنبوغ والعظمة.. في حين يعجز سواه بالخواص المتدنية ان يراه ويعرفه.. المجتمع المبصر يأخذه السطوع وتغمره الدهشة.. بينما لا ترمش عين الكليل... وتحتاج تسمية وتوصيف الامة التي تجهل اقدار مبدعيها ونوابغها وعظماءها, تحتاج الى منجد لغوي والى نحت وابتكار لغة جديدة.. وهاهم السياسيون الذين اقاموا الارض ولم يقعدوها لموت مبدع في سوريا من قبل.. لم يغرقوا بعرقهم وخجلهم ولم يموتوا على موت المبدعين في عواصم واصقاع العالم...
يقال ان هناك احتمالا, نخشى تأكيده.. ان المباخر والدفوف قد تضاعفت.. وانتقلت المكارم من آلاف الدنانير الى ملايين الدولارات.. انما الذي بوسعنا تأكيده هو المعروض امام الرأي العام وعلنا وعلى المكشوف, هوتقدم حملة المباخر وناقري الدفوف وان كانوا فقراء ومدقعين من المواهب والثقافة.. وتكفي احيانا امتلاك مفاتح السر لفتح الابواب والعبور الى(خانة الابداع) وهؤلاء وفي كل الازمنة الرديئة لا يتركون فسحة للنظيف والمبدع.. وقد يحرمونه من انفاس نظيفة... فاضطر لأخذ عراقه في قلبه وتوسد الغربة وحجارة القبرغير العراقية... وان الابواب ما زالت مشرعة.. ويتدفق عبرها الطبيب والمهندس والشاعر والفنان والمفكر ومختلف العباقرة.. وان احصائية اخرى عن المعطلين والمركونين ومن يتآكلهم الاهمال والعوز قد تصدم بنتائجها.. تصدم محيط المبدعين, لا الساسة ولا القيميين.. فهؤلاء مغرمون بمعزوفات قديمة ومعروفة ومتناسلة... مع اضافة معروفة وتجري مع الموجة.. فهم من امسكوا بالبندقية ونزفوا الدماء وقدموا التضحيات.. وربما تفضلوا على الامريكان ووجهوا لهم الدعوة لزيارة العراق المحرر.. وكما لو لم يكونوا الاكثر نقرا على الدفوف مع اضافة الطبول العملاقة.. وكما لو لم تكن مباخرهم لتضيع وتشلش عواصف العراق الترابية.. بل وكأنهم لم يتفوقوا ولم يبرعوا في مهمة المخبر السري.. وبذلك من الطبيعي ان تتناسل مقبرة الغرباء الى مقابر, ولا يعدو موت المبدع في الادب والثقافة والفن اكثر من خبر.. وهذا حسب رأي الفلاسفة والمفكرين اننا حين نقبس من نور العظيم بقدر اقترابنا منه والاعجاب به وبقد ما نمنحه من نفوسنا نكون من فئته وفصيلته وعالمه.. ولا يحق, بهذا المعنى, ان ندعي بعراقية المبدع اذا جهلناه واذا فارق الحياة غريبا... وربما لا ارتباط بالارض والناس والوطن كما المبدع.. دون ان يخل بالمعادلة كونه ينتمي لكل الارض ولكل الحياة ولكل انسان.. لانه, في النهاية ذات, ومتصل برحم الوطن...
|