الفساد في وزارة الموارد المائية (الري سابقا), مثلا, يعرفه ويتحسس به الفلاح , والفساد في وزارة الخارجية ينتبه اليه ويدركه الدبلوماسي والمشغول بالبحث عن تجديد للسفر واللهو والمتعة... والفساد في وزارة البيئة يتحسس به المتضرر من بيئته بما اصيب به من سرطانات وامراض عرفها من المستشفى .. والفساد في وزارة العمل يراه الجائع اولا والمشّرد... وهكذا في بقية المناحي والقطاعات..و.. الكهرباء, من بين وزارات قليلة اخرى يعرف بفسادها ويتحسسه ويعاني ويكابد منه كل مواطن... وان ما يعيشه ويكابده العراقي من هذه الخدمة لم تمر ولا جربها اي مجتمع وفي ادنى درجات الفقر...
ما لم يحدث مع أي مواطن في العالم ايضا, ان العراقي قد تآلف وادمن حالته مع الكهرباء ورتبها حسب قدرته وامكاناته.. إلا انه يعاني ويكابد ويتعذب ويظن انه قد يصاب بالسكتة القلبية كلما سمع الاخبار وشاهد اللقاءات مع المسؤولين عن فضائح الفساد وعلنيتها وربما قصديتها.. واخرها ما جاء في فضائية عراقية في لقاء مع برلماني شجاع في لجنة الطاقة.. عرفنا ان غابة الفيلة كانت ستقضي بالنوبة القلبية لو اطلعلت على جزء من هذا الفساد.. وقد انعكست اختناقات ومأساة المشاهد على سمات وتعبيرات القهر على مقدم البرنامج الدكتور نبيل جاسم... فما انفق في ثلاث سنوات فقط على الكهرباء يكفي لإقامة محطات توليد يمكن ان تصدر تيارها الى دول الجوار... وقيل من قبل ذلك ان ما انفق في سنوات اخرى وعلى الكهرباء يكفي لشراء شقة سياحية لكل عراقي ومؤثثة بافضل الاثاث, وفي ارقى منتجعات اوربا... انه شق للبطون واهانة لا يمكن تسميتها...ولا...ولا.. والاكثر اهانة وقهرا وخنقا للقلب وسحنا للعصب... يجري النهب, كما لو ان القائمين يجهلون ما يفعلون.. كأنهم عن غشامة.. وتجري الصفقات الوهمية المرة تلو المرة.. ومن الفساد ما يبدو وكأنه تمثيلية وان اللصوص يلهون ويسخرون وهم يسرقون..
ربما هي نظرة سوداء ومتحاملة ومغرضة... الا ان هدوء واستقرار وطبيعية المسؤولين تشهد شهادة لن نسميها ايضا.. وربما هناك قصد (اجنبي) لإماتة وقتل العراقي قهرا وكمدا.. ولم تظهر امارة ضئيلة لا ترى بالمجهر تعبر عن احتجاج رسمي او تبرير لعجز اثرى الدول عن اعادة التيار الكهربائي لأكثر من تسع سنوات...
مصدر التعذيب الاخطر من كل ذلك.. ان العراقي يموت الف مرة باليوم متسائلا انه اذا كان الفساد ومليارات الدولارات تنهب في امر يخص كل عراقي ويتعذب به كل عراقي فما الذي يحدث مع وزارات ومرافق اخرى غير مرئية بهذا الوضوح؟؟؟
امام حرق الاعصاب, ومع كل هذا الضيق وانغلاق الابواب.. تلتفت وجوه العراقيين المكدودة المنهكة, صوب ما يمكن ان تطلع منه الكلمة التي تقنع اللصوص من ان من نبكي عليهم, ونلطم من اجلهم زاهدون بكل شيء سوى مرضاة الله واتقائه بخدمة عباد الله, والمتقون يعرفون قصص وتفاصيل ذاك الزهد.. واذا اشرقت الكلمة كان الامل بالفرج.... وساعتها نهتف ان افكار الامام تحيا بالرجال وتتجسد في الواقع.. وليست اوراق استثمار وواجهات تجارة وفضاء فساد الفاسدين.. فبين الساسة من توفر على المعدن الطيب والايمان الحق, ويحتاج الى الى تذكيره بالنهج البليغ وقراءته... |