المفاجأة التي ألفناها وبردت ان ما انتظرناه من (مناضلي الخارج) جاء نقيضه.. فتصورنا أنهم سيعودون الينا بلا عقد, ولا خرافات, ولا جهالات,, وسيجلون الدين مما علق به. وسيقدمون له صورة بهية تثير إعجاب العالم وتخبره عن عدم اكتراث المسلم بالسلطة إلا كفرصة لنوع آخر ومضاف للعبادة .. وصيغة جديدة في عمل السلطة في استيعاب المتناقضات بين المصالح, والقدرة على توفير أسباب الحياة الطيبة.. وتجسيد الآية الكريمة (قل للذين امنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوما بما كانوا يكسبون ).. وان يميلوا الى الوجه الإيماني المكرس للتعايش والمحبة وبناء مجد السماء على الأرض ... والتنافس في فهم الأديان .. ولذلك ليقل المسلم الأتي من أوروبا انه الأكثر في محبة أعدائه, والأجدر في توحيد البشرية ... في حين أن هناك من اختلف مع نفسه وخاصمها .. وصار ما صار.
اعترفنا بعزلتنا عن العصر وثوراته المعرفية.. وانتظرنا من مناضلي الخارج ان يثقفوننا ويبصروننا ويدخلوننا في العصر .. وإذا بهم يطوحون بنا إلى مدى آخر من الماضي .. وخارج حتى خيامه.. لماذا ؟ أين كانوا ؟ الم يعيشوا في مدن ومجتمعات النور؟؟ ربما انتزعوا من تلك الحضارة عيوبها وشذوذها وبطرها وينوون لمزيج باهر من عظمة وطهارة الإسلام مع المنجز المناسب من العلم وحقوق الإنسان... إلا أن ما حلمنا به تأكد بطلانه, وبرهن على سذاجتنا ...
كان أكثرنا على أيمان انه لا طائفي بعقل سليم... ولا طائفي بغير روح ضيقة.. ولا طائفي يصلح للسياسة.. ولا طائفي لا يجزئ المجزأ.. فوجدنا بالآتين من ألمانيا وسويسرا وأمريكا من يتصدون لما لا يصلحون له... وبوسع الأطفال أن يتوقعوا ما يديم صراخهم على حضن الأم الذي تفكك.
علماء النفس وخبراء المجتمع يعرفون جيدا تأثير الإيحاءات, ومجريات الواقع على مشاعر وتفكير وسلوك الناس والمجتمعات.. وان نقل جدران الكونكريت الى إحياء في مدن أوروبا لعزل هؤلاء عن أولئك لخاصية سائدة في كل منهما.. سيغرس الحساسية وينميها ويؤسس لها في الذاكرة والتصرف... وقد كانت الجدران التي سبقت الدبابات المحتلة قد فضحت ورفعت عنوان العراق المقبل.. وأرادت ان ترسخ وهما بحساسية, وتدعو الجار ان يستذكر طائفته.. وينتفع منها, أو التوقي من عواقبها.. وبات الواقع, بدءا بالجدران تردد بوتيرة مرهقة انه من الطائفة الفلانية... انه كذا كذا كذا حد الغثيان والدليل هذا الحجز بين الإحياء , والتدخل (الخبيث) لفض الاشتباك المتوقع.. وتفعيل حسن النية للحؤول دون الحرب الأهلية ... وكان لهذه الجدران والإجراءات الأخرى أن تفجر اخطر الحروب الأهلية وبما يكفي لإبادة شعب كامل.. وعندما تتكشف أسرار الغباء سيفتخر الشعب العراقي بوعيه وبروحه وسماحته وفهمه لنفسه ولعقيدته...
الجدران عمل خبيث بات معروفا.. وان زوالها يقتضي زوال العقول المتحجرة والرثة وراءه .. وإلا فان حكاية مهد الحضارات ستغدو أكذوبة...احد العقول النيرة والواعدة يهزأ من تصوراتنا وافتراضاتنا ويقول أن من بين من جاءوا معه من الخارج لم يعش ويتفاعل مع تلك المدينة, وليس من المبالغة أن مواطن الهور قد عرف تلك المدينة عبر التلفزيون أكثر من هذا الأتي من زاويته طوال الوقت يجالس الأشباح .. بعيدا عن (الكفار) الذين اتسعوا له بعد أن ضاق به مصلو بلده ... |