لا ينتحر الإنسان قبل ان تتقطع أواصره مع الحياة.. حتى وان كانت بوهن خيط العنكبوت... ودائما ما نذكر ابتسامة الطفل الرضيع على صدر أمه التي اثنت اليائس عن الانتحار.
ولا ينتحر شعب بغير ان تتضافر عليه كل الأسباب الكبيرة والصغيرة ..وهي جميعا تكمن في المجتمع ونظمه وقيمه وأخلاقه وآليات عمله.. ويمكن تلخيصها بالثقافة,,,الثقافة بمعانيها العامة والخاصة.. بتجلياتها في السلوك والتعامل والعادات.. مثلما في النتاج الإبداعي لمفكريه وادبائه وشعرائه وكتابه وفنانيه... وان الرحم الذي انجب عراقا بهذه المواصفات الثابتة لعشرات السنين يوجب ويلزم الغيورين والخلاقين الى اعادة النظر به.. بدءا بالثقافة المنتجة وبالمثقفين المبدعين.. وإحاطتها بدائرة للتركيز عليها ومعرفتها ...فقد بدا العراق وكأنه بلا مثقفين في السياسة والفكر والمجتمع.. وبدت الثقافة بلا اي تأثير على المشاعر والاحاسيس والوجدانات.. ولمس العالم حجم الفوضى والفساد وأصيب بالصدمة والفزع, في حين لم تتململ شعيرات في ضمير ووجدان المثقف والمثقف المنتج للثقافة, بدليل انه لم يطلق صرخته المدوية في اقطار الارض المفزوعة بفساد بلا نظير وبوقت غير مسبوق ..وذرة من سرقة فيه تكفي لجعل العراق كله مؤسسة ثقافية وحضارية وسياحية.. وتجعل الكاتب والاديب والفنان موضع حسد نظيره في الدول المتقدمة ..بدل ان يموت في الغربة الخارجية والداخلية مثل فطيسة ..يقتله الإهمال والنسيان وعدم الوفاء..وبدل ان يواصل كدحه للقمة عيشه, ويتملق الأميين والجهلة ....والى آخر ما يعرفه الجميع.
لا يحق للعراقي ان ينتسب للاديب والمبدع العراقي الذي يموت في المهجر والغربة.. مثلما لا يستحقه اذا لم يره ولم ينزله منزلته... وهاهي المرابد على مدى السنين لا يدعى لها ولا يحضرها غير من كان أمام عين (ذوي الشأن بالدعوات) فالدعوات يوجهها الأشخاص والمنافع لا الإبداع ولا الحضور ولا التأثير.. ولهذا فإن الصورة في السياسة هي ذاتها في الأدب والفن... ولا يتوهم من يبدأ بمراجعة حال العراق الحديث بالثقافة والمثقفين ونظم عملهم وآليات علاقاتهم.
لا مبدع كبير لا يعشق وطنه وشعبه,, وقد يبلغ ادق طبائع وأسرار مواطنه بالمحبة.. ولكنه يحب الإنسان من حيث هو إنسان, وينحاز للحياة اينما كانت ويدين بالحقيقة كونها المنقذة دائما ..وقد وجدنا بين (مبدعينا) من يتسابق مع اللصوص وتجار السياسة لركوب الموجة الجديدة بعد تلاشي الموجة الماضية.. وصادق على (خياركم في الجاهلية خياركم في الاسلام) ومتملقو الأمس متملقو اليوم .. وظل المبدعون يلهثون ويكدحون وهم مهملون ..وظلوا يموتون في المنافي والغربة ..ولم تتبلور قيم ومفاهيم وسلوكيات وتعاملات تحمي المبدع وتحمي المجتمع.العراقيون, بدءا بنخبتهم الابداعية معنيون بمواجهة أنفسهم ووضع القناعة بان الحقيقة هي التي تنقذنا وان يواجهوا الواقع مثلما هو, ويتأملوا في نظرة العالم للعراق قبل ان يحكم التاريخ حكمه القاسي ....ولا يذكر من المرابد غير ما يذكره عن السياسيين في فنادقهم الراقية وجلسات سمرهم وما يطلعون به من نتائج لا تكفي لإزعاج لص.كنا رأينا السمو والرقي بالمتقرب والمتشبه بالثقافة ...فاننا لا نرى من هو اسمى من المنتجين للجمال والفكر والابداع ..وربما كانت (عشيرة )و(طائفة) المبدعين هي العشيرة او الطائفة الوحيدة التي تدعو للمباهاة والمفاخرة وتحمل المبدع للتعصب للجمال ولكل انسان جميل ...الا انها ليست بمنجاة من الإصابة بعدوى الوباء العام والمزمن. |