بغداد ,حي اليرموك ,7 حزيران من هذا العام ...وصراخ في هذا القصر ...أشياء تقذف وتتكسر ..وهرج وصخب ..والصوت المجنون يواصل الصراخ ( قواد ...سافل ...حقير ...ريفي ..عربي–بضمّ العين - .. تافه ...اقتلك ..لابد ان اقتلك ..اين تهرب مني ؟ اقتلك حقير ..دمرت حياتي ..جبان ......) والى آخر ألفاظ ومفردات السوق والرخص والابتذال ..ويتبرع هذا الجار ..لا الى تلافي سماع وشهود أبشع موقف, بل لسماعه ورؤيته بكل الحواس والملكات والتيقن من اشتراطات قيام الساعة... قائلا ان هذا الصوت المسعور لشاب وسيم واجتماعي وناجح في عمله وخريج جامعة ومترف المظهر ..وان المقصود من كل هذه الشتائم والالفاظ المقذعة والدونية انما هو والده ..ووالده رجل بالغ الكياسة والاحترام ,وله منزلته الاجتماعية ودوره وما يفتخر به ,وهو الان متقاعد ويشارف على السبعين من عمره ..وسمي في وقت من الاوقات برب الاسرة المثالي ...واذا كان هذا المشهد (المسمع)المفزع قد يمنح المخيلة ان تفترض التقصير من الاب او الام بحق ولدهما.. فان التحريات والوقائع ,فيما بعد ,اكدت انه لا تقصير ,لا في زيادة الدلال ولا في قلة الرعاية.. وان الالفاظ التي توجهت الى الام لا يتلفظها متعهد البغايا .. وقد كان تأكيد العاق على استنكافه من اصول والديه.. وما هي اصولهم؟ أصول الاب: والد الاب يعود الى ريف الموصل, ووالدته من قرية في كركوك...اما اصول والدته: أبوها من نواحي العمارة (ميسان )..وامها من مدينة بعقوبة.. لذا قال الاب المذبوح ..كما نقل الجار ..انه سيموت ثم يبعث من جديد ولكن بأبوين نمساويين.
يقال ان هذا المشهد يتكرر وربما بات مألوفا ..فالعوائل تتفكك ..والعلاقات تتمزق ...ووثب الناس الى الامة العربية ذاتها, وصاروا يتشككون بصوابها وسويتها.. فهي الامة التي تقتل نفسها باستمرار..وتختار بحرية مطلقة جلاديها وطغاتها ومن يستغفلونها ...ولم تتعلم ,لحد الان ,كيف تعيش وكيف تتذوق الحياة.
ولكن ..الهولندي المثلي لا يعامل والديه بهذه العفونة ..واين من ذاك النوراني الذي يخشى مشاركة امه صحن الطعام لا لشيء الا الخشية ان يأخذ لقمة كانت عين امه قد وقعت عليها واشتهتها...فهل سجل العراقي في هذا الميدان أيضا رقمه القياسي؟ هل هيمنت عليه اخلاق الشارع فصار يكسر ويحطم ويتحول فمه الى مرحاض طافح؟الجنة والجحيم تحت اقدام الابوين ..فما الذي يسعى اليه بعــض الموبوءين ؟؟
هناك سخط ..هناك كفر بالقيم والثوابت والعلاقات ..وامام رجال الدين تحديات جدية |