اجل, الإنسان الكامل هو ابن الحب الكامل... والأكثر نقاوة وفخامة وسموا هو الأكثر محبة... وذاك الذي لا يكره ولا يعرف كيف يكره.. وقد ينظر إلى السيئ على انه ضحية ظروفه وقد يراه أسير سجن الحياة التي تكرهه وحكمت عليه... فيمضي وقته بالأذى والإزعاج ويلهو بالفساد والكراهية... وإلا فانه طيب بطبعه.. وانه يحب كل محيط وكل بشر يظن أنهم يحبونه. الصحفي, ككائن بطبع يهفو لمعايشة الآخرين والتعاطف معهم وتبني مشاغلهم وتطلعاتهم وهواجسهم سيكون أكثر توفيقا ونجاحا بقدر طاقته من الفهم والمحبة وبما يمكنه ويساعده على التعبير والإبداع... وقد كان فندق المنصور ميليا محلقا في الآفاق برواد الصحافة يضمون العراق بقلوبهم ويحيطونه بشعرهم الأبيض ويلحقونه بالعالم والكون ..ففي التاسع من هذا الشهر أقامت نقابة الصحفيين حفلا لتكريم رواد الصحافة.. فتجلت إلى جانب هذا الفيض من المحبة مشاهد تحسب على الحزن العميق.. وكانت القاعة تحلق بجناح المحبة والوفاء وحكمة الآباء.. وبجناح المعنى للحياة وقانونها الذي يفقد صرامته وقسوته بالمحبة.المحتفى بهم يتقاسمون الأمراض ومتاعب الشيخوخة... هؤلاء بالضغط وبالسكري .. وأولئك بالبروستات وأمراض القلب... وهذا لا يرد التحية لأنه لم يعد يرى ولا يسمع جيدا ... وذاك على كرسيه المتحرك شبه نائم...والأكثر إثارة للحزن أن بعضهم لم يعرف البعض الآخر ...لقد تغيروا ,وتبدلت ملامحهم ...ثم أنهم غابوا عن بعضهم البعض طويلا ...وكل واحد منهم غاطس بهمومه ومشاغله.. ولا وقت للاستذكار والبحث عن الصديق والزميل ... وحالهم حال العراقيين سواهم: لكل شأن يغنيه ....ومع ذلك فقد كانت ساعات لقاء مؤثرة ...ولو كان للسياسي حد ادنى من خواص ومواصفات السياسي لأدرك من هذا المشهد حجم جريمته او تقصيره ..وما تسببه للعراقيين ولهذه الشريحة بالذات.... وان شعبا ومجتمعا وأمة لا تفي المبدع والمؤسس والأب حقة لا خير فيها ..ولا يرجى لها مستقبل فهي تؤسس للعقم.كان الرواد محبة نمور في القاعة وتحمل الفندق محلقا في الريح السعيدة ...ولعل من أصالة الرواد أنهم من المستمرين بالعمل من المتقاعدين أنهم لا يبخلون بالثناء على العمل الصحفي الجيد... وان الشحاذ الذي لا يحب الشحاذ هو كائن طارئ ويزدهر بين الطارئين اليوم... وانتبهنا الى موقع جريدة المستقبل العراقي في اهتمام كبار الصحفيين والإعلاميين.اللافت جدا, والصارخ حد الفضيحة انه في حشد الرواد المتعبين والمعوزين ومن بدوا بأعمار مضاعفة هناك من كانوا على النقيض.. كأن الواحد منهم قد عاد للشباب والنضارة ..وقد يوحون بأنهم قد اجروا عمليات تجميل ..وتتدفق منهم العافية والترف والغضارة ...والأغرب والمفجر للمعنى أنهم من (قادة الإعلام) والأكثر غرابة وإثارة للمعنى أنهم لم يحاطوا بالنظرات الحاسدة... فالعجائز نظروا بظفر وتفاؤل إليهم كأبناء قد نجوا وتخلصوا مما أصابهم هم كآباء.. وباركوهم بمحبة.. مثلما باركوا للنقابة وشكروها وإلا كانوا سيموتون بالنسيان, فالحكومة مصابة بفقدان الذاكرة ولا تتذكر غير قائمة انجازاتها التي أذهلت العالم وأضافت بعدا جديدا للدين السياسي. |