الرأي أن أفضل المعارف وأكثرها رسوخا تلك التي مصدرها التجربة الحية, واغلب الظن أن من حق العراقي الزعم بمعرفته بأمريكا وسياستها في العراق, وربما في المنطقة.. فقد عرفها مباشرة وتقلب على نيرانها.. وأيقن أنها بارعة ومتمرسة في جعل الآخرين طوع بنانها وفي خدمتها.. وإنها لا تقتل عدوها أبداً, بل تضعه بحيث يتولى بنفسه قتل نفسه.. ووجدت ضالتها في كائنات مغلقة.. تابعة ترزح في عبودية المجتمع والتقاليد والتلقينات والعادات.. وغياب السؤال فاليقينيات شاملة.. وكمثال.. فأن الخصومة مع الشخص الانكليزي اوالتعادي معه لا يستدعي بالضرورة كما في مجتمعاتنا الخصومة والتعادي مع أخيه أو أبيه... فهم لا يزرون وازرة وزر أخرى... وهذا المجتمع التركي بأمراضه الشرقية قد تجاوزنا, وبتنا نألف المشاهد الدرامية حيث خصومة الزوجة مع زوجها وحتى انفصالهما لا ينسحب على والدة الزوج التي قد تتحول إلى أم لطليقة ابنها, بينما يرث الحساسية والكراهية في مجتمعنا مع لونه واسمه وجيناته ويشب وينضج وقد ينخرط في الحكمة ومع ذلك لا يسأل نفسه عما يحمله على التحسس من الآخر.
أمريكا درست واستوعبت العراقي.. وان مراكز الدراسات فيها على معرفة مذهلة بالعراقي (والعربي) وكيف تقود أفعاله وتتحكم بردود فعله وهو مؤمن وموقن انه إنما يتصرف بحرية مطلقة ولا وجود لأي مؤثر عليه.ينطوي جسم الإنسان على أنواع وضروب من الفايروسات والطفيليات والبكتريا, وتنشيط وإيقاظ واحدة منها قد تسبب التدرن أو القرحة أو السرطان.. ويتحول وجودها الطبيعي إلى مرضي.. وهذا الذي أنجزته في الطاعون الطائفي وما قد تنجزه في الدول والمجتمعات العربية الأخرى.. تستنبت بذورا موجودة على نحو طبيعي وتحولها إلى أمراض وأوبئة ولكل مجتمع ما يناسبه... وما يناسب العراق الطائفية ومعززاتها من عدم استقلال الشخصية وتبعيتها ويقينياتها البلهاء واستعدادها لتدمير أفكارها ورموزها التاريخية من حيث تعتقد أنها تضيف وتبني وترتقي مدارج الزهد والتعبد والإشراق.العراقي المغترب في زياراته للبلد للتزود بـ(الإحباط) يقول إن شرائح في مجتمعنا بحاجة إلى ألف عام لتغادر ثقافة التلقين والطبع التابع وتتوصل إلى أن تحكم على الحالات والأفكار والشخوص بنفسها ...وقد لا يستوعب العالم الحر كيف نفكر وكيف نحكم وفي أية دهاليز عطنة ومظلمة نعيش ... طبيعة الحياة الاختلاف للاتفاق... ولاكتمال الجدل وحركة التطور الصاعد لا من قدر من الاختلاف والتباين ..ومن الخطأ وقد هبط من جنته لهذا الطبع, ولاحظ النفسيون أن الإنسان ليفتعل الخلاف والمشكلة مع نفسه أن لم يجدها مع غيره... وربما كان مقتل الماركسية بحسن ظنها بالإنسان ولم تولِ لأنانيته الأهمية المطلوبة فهيأت للرأسمالي والامبريالية أن تشفط دماء الشعوب، وكل ما فعله المخطط أحالته للطبيعي إلى مرضي.. وزرقت أسباب وعوامل التضخم في شعوب مهيأة وجاهزة لتقبل المرض.
الأكثر تشاؤما يرون أن الخطر الذي يهدد الدين لا يمكن تصوره.. ولا يمكن التحذير منه.. فذاك من ضمن المرسوم للأغبياء. |