أقام أعظم المتدينين أعظم دولة للفوضى والخراب والفساد، إنما الأعظم والأخطر من ذلك أن أعظم المتدينين قد سجلوا أعظم درجات البلادة والغباء والغياب عن الوعي بحيث أن كل ما جرى لم يولد فيهم شيئا من اليقظة والنباهة والوعي, ولم يفطنوا إلى أنهم يرسمون للدين أبشع صورة، ويقدمون للبشرية براهين وأدلة وممارسات من شأنها أن تنفرهم من الإسلام ومن المسلمين، وإذا قيل أن العرب لا يجيدون الوفاء للرجال وللقادة وللرموز التاريخية .. وإنهم مأخوذون بالهرجة وبالركض وراء الراكضين فإنهم اليوم يبعدون أكثر في هذا الطريق ولا يفون حق الأكبر من رجل التاريخ ومن الرمز... فقولوا النبي الكريم ما لم يقله...وأحيط بحكايا ووقائع وممارسات ما كان سيقترفها ابسط الأقوام بقادتهم ووجوههم..وكل الأطراف تقتل وتفجر وتنهب باسم الإسلام.. بل وكان الأجدر لأجل مكانة ودور هؤلاء الرجال أن يبالغوا في احترام وتقدير وإجلال وضعهم ومحيطهم وخياراتهم...وقد أكد متدينو العراق في حقبتهم السياسية انهم من ذاك النسل الذي يضع كل المقدسات تحت قدمه اذا كانت ترفعه الى موضع الكنز...ومن بين ما تبين اخيرا ان الوزراء, عاجلوا من فورهم لتملك الأراضي السكنية المتميزة في بغداد والمحافظات.. ولم يعاجلوا لاسكان الفقراء والمشردين.. وانهم لم يسرقوا الأموال والثروات بل نهبوها فكان الهم ليس في ضرورة الحذر والحرص على السرية بل في التسابق على ثروات وأملاك سائبة ولا تعود لبشر وشعب ...وان الصفقات وحجم السرقات لا بالاف وملايين الدنانير بل بالدولار وبالملايين والمليارات ...واعترف الكبار ان ميزانية العراق تساوي ميزانية عدة دول ,في حين ثلث العراقيين دون خط الفقر وان الملايين بحاجة الى مساكن تصلح للبشر..وان آلاف المدارس آيلة للسقوط على رؤوس التلاميذ ....والى اخر قائمة مفردات تعب وإرهاق ومعاناة العراقي..
أفضل ما في قائمة الفساد انها تجمع وتوحد وتساوي بين جميع الطوائف والأعراق وأطراف المجتمع العراقي ...ولكن الأسوأ هو أنها تسهم جميعها في الإساءة للإسلام وللعرب من حيث قلة الوفاء لا للرموز ولرجال التاريخ فقط بل ولمبعوثي السماء ...وربما كان الأوربي اذ يسمع الحكايا عن النبي محمد (ص) وعن عجز هذا الدين عن توحيد اتباعه.. تلفه الحيرة وقد ينفر ويرتعب من الإسلام..واما ينفر ويرتعب من المسلمين الذين ما عرفوا حق نبيهم كرجل تاريخ, في اقل تقدير, اخرج العرب من البداوة الى الحضارة..لا كنبي جاء بالرحمة للبشرية.
أمام السياسي العراقي مسؤولية اكبر من تاريخية ...وامامه سمعة ومعنى الاسلام ...وامامه مصير شعب يحسب كحامل لاقدم حضارة.. ويسكن على اول بقعة في الارض خلقها الله.. أمام السياسي ان يتجاوز نفسه ويتسامى عليها وان يراجع ويصحح أخطاء وأمراض التاريخ ليس فقط حمية وغيرة على الإسلام بل لأن العصر يرفض ويمتعض من عقلية الكراهية والحقد والانغلاق.. وأمامه (السياسي) أن يتذكر ان الأمر لعبة تضع السياسي في الموضع الذي يحطم به نفسه وبلده ودينه وهو يبتسم ببلاهة لنفسه على أنه يبني وينسج المعجزة.. ليبرهن للعالم ان في الغباء درجات خارقة وتدخل في باب المعجزة. |