رؤساء أمريكا وأوربا ووزرائها وقادة مجتمعاتها يطلعون عادة من بين رجال الأعمال والأثرياء، باعتبار انه لا رجل أعمال ولا ثري إلا ويكون بعقل يقظ وبأخلاق متميزة, وبهمّ اجتماعي راق وبتصور خلاق لبناء الدولة.
رجل الاعمال والثري العراقي وربما العربي عموما.. قد لا يتمتع دائما بتلك المزايا والمواصفات، وقد يأتي بسلوك وتصرف واجراء قد لا يقدم عليه اكثر الناس غباء واقلهم تجربة وذوقا، بل وقد يعمل ضد نفسه من حيث يعتقد أن يخدمها، وذاك مشهد مألوف ومتكرر.. والسبب, كما يبدو, لانه ثري لا بافكاره الخلاقة وارادته المتميزة, وبثراء شخصيته ونظرته الى المجتمع والحياة.. انه ببساطة, مجرد لص.. سرق ونهب وصار ثريا, وتكدست ارصدته الى جانب ارصدة رجل الاعمال الامريكي والبريطاني ...
وظن انه مثله يصلح لدور عام ومنصب كبير، لا سيما وان الثروة للعربي تثير لديه الرغبة بالقوة والسلطة (اول المال يتطلع لشراء البندقية ولزوجة أخرى) والمرء لا يكون لصا وله ضمير وشعور واخلاق ودين وشخصية وذكاء غير الذي سانده في الاهتداء إلى ثروة سرقها.
يدخل الثري الميدان الشائع, وينخرط مع التقليعة ويضع ثروته ويوظفها للحصول على (بندقية العصر وعلى مجتمع يغني له ويطربه ويشعره بأهميته) ويتصرف ويعمل فيثير انتباه ثم استغراب ثم استهجان فئة من الناس..
فهل ينبهونه ويحذرونه ويصارحونه بتوقعاتهم بسوء النتائج؟ هل يكاشفونه بان انما يعمل ضد نفسه.. ويتعين عليه التهيؤ والاستعداد لعواقب وخيمة...؟، ولكن هذا القدر من البلادة والغباء لا يسمحان بمثل هذه الصراحة.. وعلى المثقف العارف ان يحترم نفسه ويبتلع نصائحه.
الثري اللص قد يقدح فيه الذكاء.. قد يعرف ايضاً.. واذا كان للذكاء صنوف وميادين...
فقد يتمتع اللص بذكاء اجتماعي يؤهله لمصارحة ومكاشفة المثقف المليء بالكتب ويقول له بان لكل مجتمع طبيعته ولغته وتصوراته... وان ما وجده المثقف سذاجة وبلادة وقلة احساس في تصرفاته وبرامجه إنما له صداه وتأثيره ونتائجه الحاسمة لدى من يتوجه إليهم ويقصدهم..
وقد يتضاحك هذا الثري ويتساءل ساخرا ان كان ممكنا سرقة كل هذه الثروات العامة في أمريكا وأوربا؟ مشكلة المثقف انه لم يسبر غور مواطنه, لم يفهمه.. وان لصوص الثروات , وعلى سذاجتهم وبلادتهم وقلة إحساسهم يفهمونه ويتحكمون بردود أفعاله ويسرقون منه ما يريدون.. والتجربة أفضل برهان...
وقد كان الدكتور غسان العطية شجاعا كالعادة وعراقيا عندما قال على الفضائية ان هناك من سيبيع صوته الانتخابي بعباءة, وهذا ينطبق على بؤساء منطقته الجنوبية, كما ينطبق على فقير بغداد ...وان اللصوص الاثرياء يراهنون على الطائفية وعلى خاصيتهم في البلاهة المتوفرة بكثير من الناخبين. |