|
صباح منتصف شهر أيار, ويقبل العسكريون بوجوه سمحة للتفتيش.. ويعتذرون للإزعاج.. ويتلطفون مع هذا وذاك من أصحاب الدار ...ويسري لطفهم في الجدران... والمهم لا وجود لمشاعر عدوانية ولا نأمة من اتهام... والشباب يؤدون واجبا, وواجبا محرجا ويلزم معاونتهم على حرجهم... وبما شجع العائلة لسؤال الضابط, من باب (المشاكسة) أو الملاطفة.. وأيضا لأغراض المعرفة ...هل لديكم أمر قضائي بالتفتيش؟ قال الملازم أول محسن بأنهم ليسوا بصدد مداهمة لكي يقدموا أمراً قضائيا بل لغرض التفتيش لا أكثر, وعلى الأسلحة فقط ولا يحق اعتقال أي مواطن...فالمهمة تفتيش لا البحث عن مطلوبين.... فهل هذا صحيح؟؟
لقد كانوا لطفاء, ويعتقدون بدورهم أنهم في منطقة رائعة وتشيع الألفة, وتغري على الشعور بالثقة والأمان... لماذا؟؟ أنها تضم مجتمعا مثقفا وواعيا وراقيا ولا يمكن تمييز انتماءاته الدينية والطائفية والعرقية رغم انه مختلط... ويعلق احد أفراد المفرزة بأن المنطقة غير فقيرة.. فالنعرات نجدها في بعض الأحياء الفقيرة والشعبية.. وان الكلمة الطيبة في هذا الحي تنتج لغة كاملة من الطيبة.. وربما كان سيئ الطبع ومشوّه الأفكار سيلد من جديد لطيفا نيرا في هذا المحيط.. ومن يصدق تلك اللافتة التي تعلن عن العثور على كمية من الذهب ودعوة صاحبها للمراجعة.. لقد تكررت اللافتات من هذا النوع ومن حالات وظاهرات سلوكية جميلة في هذه المدينة.
ضابط التفتيش وإفراد مفرزته يعمّمون انطباعاتهم ومشاعرهم ويهتفون بأن كل العراقيين لطفاء وكرماء ورائعون.. ويستحقون كل المحبة والتضحية.. وما هذا الحي إلا الذي اجلي طبع العراقي وأظهره على حقيقته.. فالظرف السيئ يلحق السوء بالإنسان ويشوهه.. وان هذه الحملة التفتيشية يمكن ان تتمخض عن استياء وغضب العوائل وإثارة سخطها, وربما إلى إيقاظ نزعة العدوان والانتقام لكرامتها..بينما لو اجري جرد أو تصويت واستطلاع للرأي في هذه المدينة لتبينت راحة الجميع بل وانتظارهم لتمضية دقائق لطيفة مع هؤلاء الزوار... ولقالوا إنهم اعتزوا بعراقيتهم على نحو مضاعف.. فالتعامل الرسمي يمثل الحكومة ومن ثم الدولة, وان رقي هذا التعامل ومدى احترامه للمواطن يشيع الشعور باحترام ورقي كل العراق, ومن ثم هي لحظات مشاعر وطنية جميلة.. فكانت دقائق التفتيش احتفالا عفويا بالوطن.. والظن انه من نتاج فردي لا رسمي.. نتاج تربية وأخلاق المفرزة لذلك ينتبه المواطن ويتذكر ويلعن مرضى الكراهية, وحمير السياسة, وضواري النهب والفساد..وعشاق السلطة.. فيتصاعد السؤال الشقي المعذب والطافح باللوعة والأسف: لماذا يحرموننا من متعة وسعادة عيشنا المشترك؟ وهل هناك سعادة أنانية ومعزولة؟؟ أين نهرب من الكراهية؟؟؟ ما الذي فعلته بنا الكراهية؟؟ إن روحا عراقية كريمة وثرية تحلى بها ضابط وأفراد مفرزته أشاعت ما يشبه الاحتفال في ذلك الحي.. ووفرت للناس فيه تذوق طعم الوطن.. رغم أنهم يحملون الاتهامات لا الهدايا.. ربما لأننا نتوقع ما لايسرنا فتضاعف عندنا مذاق طيبتهم وأخلاقهم، فأية غشامة مخيفة وقياسية تلك التي تقبض على عقل بعض السياسيين؟؟ ربما كان تعليق احدهم بأنه لا عقل لمثل هذا السياسي لكي يتهم بالغشامة... وإلا من يزهد بمحبة العراقي؟ |
