خطر له أن هاتفه المحمول ربما كان قد تعطل، لقد انقطع رنينه لأيام، وتذكر ان تلفونه الأرضي من قبل قد أوهمه صمته بالعطل، والأمر انه كلما غادر منصبه الوظيفي حل الصمت في تلفونه وجرص بيته وانفض عنه الناس، والشطر الطبيعي من هذا الانفضاض هو المتعلق بالتواصلات والتفاعلات الخاصة بالعمل وتمشيته وديمومته, فيما يبقى السؤال, الغصة, اين الصداقة والأصدقاء والعلاقات العائلية الحميمة؟؟
هناك من المسؤولين من يؤدي دوره بنزاهة وحيادية ومهنية, وقد يمضي خدمته ولا يخطر له ان منصبه يرفعه إنسانيا على الآخرين ,وان يظن انه هدف للمتزلفين والمتملقين والنفعيين، فمنصبه وظيفة ومهمة يؤديها الى المجتمع و مع بشر يحبهم ويحسن الظن بهم, فما الذي كان يدعوهم لادعاء صداقة تلاشت وتبخرت حال مغادرته لمنصبه؟ كان احد المفكرين يقول ان من بين زواره من يتوهم الشوق له فيزوره في مكتبه, وهذا الزائر المشتاق إنما يزور المكتب ومقر سلطة ولا يزوره هو، يزور المنصب ويتزود منه بالقوة، وإلا فمن بين من يزورونه كانوا معه في الليل الفائت, ولا شيء يدعوهم للمجيء إلى المكتب، فثمة فئة لا تجد الأمان إلا في ظل مسؤول ولا تجد القوة إلا في العلاقة بمسؤول وذاك من تجليات الاختلال الإداري والقيمي وثقل الموروث، وقد ولد هذا الواقع ردود فعل أيضا لدى البعض الذي يبتعد فيه عن صاحبه حال إشغاله منصبا.
في الوقت الجديد أخذت بعض ملامح تلك الصورة نقيضها, فبعمد من يباشر منصبه للابتعاد عن محيطه ومجتمعه ويواصل استبدال رقم جواله بين وقت وآخر, ليس فقط للابتعاد او الاختفاء من شهود يفضحون تأريخه ,ولا للانزواء والاعتكاف للنهب والكسب والمتعة بل وللابتعاد عن مسؤوليات وتبعات تلك العلاقات لا سيما التكليفات والوساطات.
ولا بد لمشهد الانتهازية والنفعية من درس وتأثير، فيردد المسؤول الجديد مع نفسه بأنه لا ينفعه غير نفسه ,ومن الحكمة ان يهرب بفرصته وكسبه وحظه الكبير عن الحاسدين والمنافقين والمفتنين ,والتفرغ للتقرب وكسب ود ذوي الحل والعقد الجدد ممن يضمنون له كرسيه والمزيد من الحظوظ والفرص.
الأكيد إنها ظاهرة عالمية لا يخلو منها مجتمع ولكنها تتحول إلى مرض خطير في المجتمعات المتخلفة، ويتفاقم هذا الوباء في عراق اليوم وبملامح وسمات تنسجم وحجم الفساد. |