طلب إلي السيد حازم عثمان, سفير في الأمم المتحدة, اصطحاب وفد صحفي لحضور مؤتمر (أمسام) مكافحة الفقر في العالم.. وهو نائب رئيس المنظمة, فوجدناه ميسور الحال ويعمد لمعالجة عراقيين في سوريا والأردن ومعاونة المحتاجين فاقترحنا عليه مساعدة الأدباء والمثقفين في عمان.. وكان شاغلنا وهمنا أن يكون عبد الستار ناصر من ضمن قائمة المكرمين, لما عرفناه من اعتزاز بكبريائه , إلا أننا وجدناه بانتظار هذه المبادرة, وفاجأتنا أكثر رفيقة دربه الأديبة المبدعة هدية حسين تطالبنا بنفسها أدراج اسمها في القائمة..فاتضح مصير المبدعين مرة أخرى في التشرد والفاقة والتغرب ..وربما نطقت الأقدار بموته مع الشاعر العراقي الكردي في مهاجرهما وهما العاشقان للعراق ويتشممان عطره في التراب وفي احتضان الوافدين والمهزومين واللاجئين ومن سيموتون أغراباً. قيل للمرحوم عبد الستار ناصر إن كان هناك ما يمنعه على نحو خاص واستثنائي من العودة إلى العراق ,فاعتصم بالصمت الحزين.. فقالوا عنه بان قناعته انه إذا عاد إلى العراق فلن يجد العراقيين الذين غادرهم.. فالظروف المريعة قد غيرتهم... وسترى ان هذا العراقي الباذل لثروته لعلاج ومساعدة العراقيين سيرتد وتصدمه الوجوه والوقائع ..وهذا ما حصل.. فقد اقسم ذلك الميسور على الانعطاف وتبديل منهجه فقدم مساعدته لدفع أقساط دراسة التلاميذ العراقيين في مصر مثلا ....والخ. عبد الستار ناصر صار شيخا حكيما وأخفى طفله وفوضويته مرغما بضغط من المرارة الوطنية ...وفي الوقت الذي وضع الكثيرون تواريخ عن (نضالهم) المزعوم ومواجهاتهم الجسورة قبل الاحتلال ويسارعون لحصص اكبر من تلك (التكريمات) فان عبد الستار ناصر لم يقترب مجرد اقتراب لمواقفه الشجاعة قبل الاحتلال ليتاجر بها ويتبوأ منصباً باسمها...واختار شرفه كمثقف وحامل قضية ومحب للحياة وللإنسان.. وهذا الإنسان وتلك الحياة في كل الأرض ومنها كندا التي كان يتهيأ للهجرة إليها ..وقد هاجر ...واختار موته حنينا للعراق وللعراقي وكما كان قبل الإصابة بطاعون الطائفية ...والأكيد انه ظل ذلك الطفل في لعبة (الغميضة) أغمض عن عراقي لم يف رموزه ورجاله ومبدعيه استحقاقاتهم ومنازلهم مضطرا.. فالظرف السيئ يشوه الوجوه ويؤكد الحذر من كل إحسان وبما غير من عطاء ذلك السفير الموسر من باب للخير إلى باب آخر لخير ..وسجل عبد الستار ناصر لعراقيته موقعا آخر بعد موقعه الكبير في عالم الأدب.
|