لا أعرف عمري على وجه التحديد، ومن أين لي أن اعرف، والمصادر الثلاثة الرئيسية في حياتي مختلفة عليه، فالقابلة المأذونة كانت تزعم انني من مواليد 1920، ووالدي يظن أنني جئت الى الدنيا في ليلة برد وحالوب وثلج أصاب قريتنا، وقتل نعاجنا الاربع، وهي كل ما نملك، وكان ذلك في كانون الاول عام 1930، ووالدتي كانت تردد على مسامع النسوان، انني ولدت في السنة التي اصبح فيها الزعيم عبد الكريم قاسم رئيسا على العراق، اما الحكومة فقد جعلتني من مواليد (1/7) وتركت لاسرتي حرية اختيار العام الذي يفضلونه، فلم يتفقوا على سنة محددة، وتركوني أصلح للسنوات والأعوام كلها!! ولكن الذي اذكره جيدا، ولا انساه أبداً، انه في يوم يمكن ان يكون اي يوم، من اي فصل، من اية سنة، وانا اغط في نوم عميق بعد يوم قاس من الجهد والتعب، أمضيته في حراثة الحقل استعدادا لموسم زراعي جديد، كنت مع الثور وحيدين منذ طلوع الشمس حتى مغيبها، لو نظر احد إلينا، لا يميز من هو الثور منا، في تلك الليلة التي يمكن ان تكون اية ليلة، من اي فصل من اي عام، سمعت طرقا عنيفا على الباب، فاستيقظت مرعوبا وغادرت سرير نومي على عجل، غير انهم لم ينتظروا وصولي، حطموا الباب، واقتحموا الدار واشبعوني ضربا ثم اقتادوني معصوب العينين، لم اتبين وجوههم، ولا الجهة التي اخذوني اليها، والقوا بي في السجن!! صحيح انا اجهل اليوم والشهر والسنة التي وقعت فيها الحادثة، ولكنني اذكر كيف كانت تهاجمني وقت الفجر، كل فجر، مجموعة من الرجال بأجساد متعافية (طبعا لم أدرك في يوم او شهر او عام تهمتي الحقيقية) وتبدأ بتعذيبي، فلا تترك شبرا من أخمصي الى هامتي الا وعليه بقعة زرقاء، او فيه مجرى دم، واذكر كيف كانوا يمنعون عني الطعام ثلاثة ايام بلياليها، وانهم بعد انتهاء حفلة التعذيب التي يقيمونها على شرفي وقت الفجر، يغادرون المكان ويبقى واحد منهم معي، يجلس على كرسي، وحذاؤه الايسر على الارض، وحذاؤه الأيمن فوق راسي، وهو يتلذذ بتناول الطعام، وانا اشم رائحة الخبز الحار واللحم المشوي، وجسدي يرتعش من الجوع، واذكر ذات مرة سقطت من يده او فمه، (كيف لي ان اعرف ورأسي تحت حذائه)، فانحنى عليها، وكان عليه أن يضغط بصورة اعنف على راسي، كانت قطعة خبز صغيرة، رفعها بين اصابعه، وسمعته يستغفر لان (نعمة الله) وقعت على الارض ولامست قدمه، فاستجمعت اخر أنفاسي وقلت له (يا اخ لماذا تهتم بكسرة خبز ولا تهتم بانسان مثلي، اليس البشر هم نعمة الله التي فضلها على الحيوان والنبات والحجر والخبز والكباب؟)، لم يرد على تساؤلي، اكتفى بالضغط اقوى على رأسي، ومنذ ذلك اليوم الذي اقتادوني فيه، ويمكن ان يكون اي يوم، وانا ابحث عن تهمتي واسأل عنها مع نفسي، فهل يمكن ان تكون مثلا: إنني عراقي؟!
|