حاتم حسن
كما المناظير، والعدسات المكبرة.. والتكنولوجيا تتوجه الى خلية لا ترى بالعين فتبدو عالما بلا حدود حتى قيل أن هذه الخلية تنطوي على العالم... فان أدوات وأجهزة وأساليب السياسة يمكن أن تسلط جهودها وأعمالها لتكبير وتضخيم حالة اجتماعية وتغدو كأنها كل الحياة ويختفي كل ما عداها.وإلا....لكل البشر أسماء وآباء, وعوائل وانحدارات وأصول وأعراق واديان ومذاهب وطوائف ..فللإنسان هوية ويريد ان يعرف بها ... فلماذا كان هناك من يتمسك بعنصر او فقرة دون غيرها وينشغل بها..؟؟؟ الدين خصوصا والمذهب على وجه الخصوص وأصيب بها كل البشر ومارسوها بقدر او آخر وحسب درجة وعيهم وتحضرهم وثقافتهم ...ربما لان البشر ينطوون, بطبعهم, على قدر من العدوان والأنانية والفردية مثلما ينطوون على الخير والسلام والغريزة الاجتماعية.. وتوارثوا شيئا من نزعة الأب القاتل: هابيل... فالمنافسة وطلب الحدود لذاته ولمكانه.. طلب الهوية طبع وغريزة ولكن التعبير عنها يتساوق ويتوازى ويتناسب مع سلم تطوره وثقافته ووعيه... وكما كان شاغل العربي انتمائه العشائري.. يضع العشيرة الأخرى نصب عينيه فيتقول ويهاجم.. ويعلق الرقى والتعاويذ يتقي شرها وحسدها. وقد يغزوها وكانت تلك العشيرة نقطة قياس ..فقد كانت المجتمعات الأوربية في منافسات بين المدن.... تلك بخيلة.. وأخرى متحللة... وثالثة متهورة...وكذا في النزاعات المعروفة بين الكاثوليك والبروتستانت فان هذه المجتمعات بلغت من الوعي والإدراك انها لم تتقبل فقط التنوع في الطبائع والاديان والمعتقدات ,بل واستدعتها ..كما طعمت ولونت حدائقها وغاباتها بزهور ونباتات من مختلف أصقاع العالم...فالعزلة وعدم التفاعل وجوه للموت ...الإنسان هو الكائن الأكثر تقبلا للإيحاء ,والأكثر تأثرا بما يمليه عليه موقعه... بل وكانه يفكر من خلال وظيفته ..يفكر كوزير او كبقال... كمسلم او كبوذي... وقد وضع العراقي بعد الاحتلال في طائفته وتسلطت العدسات والمكرسكوبات تكبر وتضخم الطائفية وبدت المصير الاوحد والمقدس ولا يمكن عبوره الا إلى جهنم.نعم ,الطوائف موجودة كما العشائر والقوميات والاسماء ومفردات الهويات ...ولان في شعبنا الكثير من البسطاء ومن هو على استعداد لقبول الايحاء وللتفكير بما يلقى عليه فقد نكصت بعض النفوس وارتدت الى الأزمان البدائية وتشبثت بما ظنته هوية ..هوية شيعية ...هوية سنية ...وان العدوان لا ينطلق من حرص على تصحيح معتقد الآخر لإدخاله الى الجنة... بل تأكيدا لهوية... ولهذا عرف المفكرون انه لا طائفي بشخصية سليمة وبقلب سليم... او لا طائفي يمتلك لغة الثقافة والعصر وان عاش في قلب باريس ولندن وواشنطن.. مثلما لا طائفي بيقين ديني راسخ ولهذا فهو جاهز ومستعد لبيع طائفته بمنصب ومال واي إغراء... وان كان لا يظن ذلك من قبل ...ونطق بريمر الان بما فضح حقيقة سياسيين يخدعون البسطاء والنفعيين.لا اجمل من المجتمع العراقي في علاقاته بين جميع مكوناته ...وما زال اليهودي العراقي في اسرائيل يحن للعراق ولعلاقاته فيه ... واغلب المسلمين العراقيين ما كانت الطائفة لتعني اكثر مما تعنيه اختلاف الاسماء والعشائر والمدن ..ولم يكن لها المعنى المتعصب والعدواني الا بين البسطاء والجهلة والمتكسبين منها... وهاهي اصوات من الطائفتين تصدح بصوت العراقي الأصيل والحكيم وبما يعكس صورة نقية وقوية ومشرفة للاسلام... والمراقبون يتوقعون تلاشي الاوهام والجهالات بسرعة قياسية قد تغلق كل الابواب امام الحرب الطائفية المطلوبة بالحاح وعلنية...وتعمل على تضخيمها تحت المكرسكوبات.
|