ما السر في السلطة هذا الذي يمسخ ذاك الذي كان وديعا رائعا قويا ممتلئا وقد حولته الى جرذ قبيح فارغ يلهث للحفاظ على امتيازاته وبركات سلطته الجديدة ؟ قالها الكثيرون من قبل بانهم سيشهرون سيوفهم بوجوه الانبياء اذا نازعوهم سلطتهم ....واذا كان من متطلبات شخصية السياسي الاولية التحكم بردود فعله, والاهم بردود فعل الاخرين وربما بتشكيلها وصياغتها, الا ان سياسيين يفقدون صوابهم ويتحكم بهم الخرق والخبال عندما يقال لهم إنهم قد يصلحون لأمور عظام ولكن ليس من بينها الأمر والنهي وعمل السلطة. الاكثر صوابا ودقة هو ان السلطة العربية هي التي تتميز بهذا السر الذي يشوه ويمسخ... ولهذا ذهب الصوفيون لاعتبارها الفيصل بين صدق وعمق الزاهد وتصوفه الفعلي من هزاله هو حالته وهو على كرسي السلطة (اذا رأيت رجلا يطير في الهواء, ويمشي على الماء فلا تعبأ بذلك الى ان يأمر وينهي) وحينذاك تتأكد حقيقته ,ودائما ما كانت السلطة العربية البؤرة التي انكسر فيها كل خط مستقيم...ربما لانها بعوالم اخرى غير التي لسواها في العالم..ربما لان المرء فيها غيره وهو خارجها ... ربما لان المسافة شاسعة بين المسؤول وبين المواطن، ولا تشبه الحال في الدول المتقدمة حيث لا يخسر الكثير عندما يغادر منصبه... وانها في عراق اليوم تتجلى في رواتب وامتيازات بلا مثيل في العالم فكان ثمل المسؤول وهيامه بمنصبه يهيئ له ان ينفصل عما كأنه من طبع وشخصية ومواصفات ويتحول الى كائن آخر, منصب بكليته للتشبث بالكرسي ولمواصلة عالمه الجديد وما يقتضيه من سلوك وتصرف واخلاق...وقد يبدأ من الصفر، ويفرمت ذاكرته وعلاقاته ومعارفه على ضوء برنامجه في المنصب ... هل يمكن عقد الرجاء على مثل هذا الصنف؟؟هل يأمل الشعب خيرا من هذا الذي انسحب من لبدة الاسد الى اشواك القنفذ؟ ولكن, هل يمكن ادانة هذا الرجل الذي كان رائعا ومدهشا بعيدا عن المنصب قبل ادانة المنظومة القيمية السائدة في المجتمع؟؟ بل وإدانتها بشدة وبقدر خسارة ذاك الإنسان.. وما الحال اذا تكرر هذا الانسان كثيرا وصار يشكل الأغلبية في ادارة الدولة؟ وهنا فاننا لا نقصد نماذج الأميين ومن لا يصلحون لرعي الأغنام ووجدوا انفسهم في المناصب, ولا خبراء التزوير وركوب الموجات ,بل الناس الاسوياء وممن هم في الخط المقبول اجتماعيا, ومما يفاقم المهزلة ان صعودا إلى منصب يوهم صاحبه انه بدرجة أعلى وأسمى واكبر من افراد ذاك المجال والاهتمام والتخصص ... وقد يتعالم ويتعالى عليهم ..كما لو ان المنصب شهادة كفاءة وتفوق .....وليس ثمرة اكثر المفاهيم والاعتبارات تخلفا, وأبعدها عن عدالة الفرص وقوانين الحضارة ... من طائفية وعشائرية ومناطقية، بل ان دوائر يمكن ان ترفع لافتة باسم عائلة وطائفة ومدينة... والاكيد ان من تمسخه السلطة هو الثمرة المناسبة لهكذا مؤسسة.
|