بات أمراً مسلما لدى العراقيين، ان التأجيج الطائفي الذي شهدته البلاد في وقت مبكر بعد عام 2003، هو صناعة (امريكية) بامتياز، ظهرت مع الصيغة الاولى لتشكيل مجلس الحكم، وان (اطرافا) في العملية السياسية روجت لهذه الصناعة، وتعاطت معها، ووفرت لها ارضية خصبة وسوقا رائجة، ولم تكن قناعتي الشخصية مغايرة لهذه القناعة العراقية، لان الدلائل المتوفرة امامي جميعها تؤكد هذا الاعتقاد! في السنوات الاخيرة اكتشفت ان تأثير هذه الاطراف في عمليات التأجيج لا تساوي شيئا ولا تكاد تذكر، مقارنة بالصحف والفضائيات العراقية ـ لا استثني احدا منها الا من رحم ابي ـ وهذه قضية غريبة، فوسائل الاعلام التي تنهض بمهمات التوعية والتثقيف والزاد المعرفي، وفضح السياسات المنحرفة، وتنبيه السلطات صاحبة القرار الى اخطائها، والتعبير عن هموم المواطنين، وطموحاتهم تخلت عن هذه الادوار الموكلة اليها، وتحولت الى خندق نتن من خنادق الطائفية البغيضة. احدى تلك الوسائل تتحدث بالمسميات الصريحة ومن دون حياء عن قيام “السنة” بتهجير العوائل “الشيعية” في مناطق اللطيفية وبعض احياء ديالى وقضاء بلد، وانت لا تدري كيف يقوم السنة مثلا بتهجير الشيعة من (بلد) ذات الاغلبية الشيعية، ووسيلة اخرى تتحدث عن قيام الشيعة بتهجير العوائل السنية من ابي غريب وديالى واللطيفية، وانت لا تدري كيف يقوم الشيعة مثلا بتهجير السنة من ابي غريب ذات الاغلبية السنية، ثم لا تدري هل العوائل المهجرة من اللطيفية مثلا، سنية ام شيعية، لان وسائل الاعلام المتخندقة سنيا نسبتهم الى السنة كي تتهم الشيعة، ووسائل الاعلام المتخندقة شيعيا نسبتهم الى الشيعة كي تتهم السنة! كذابون وملفقون ومفبركو اخبار وطائفيون وسخون، ولو لم يكونوا كذلك لما نسبوا اعمال التهجير المشينة الى السنة والشيعة، ولقالوا الحقيقة بحس وطني: ان السنة والشيعة براء من ذلك، وانبل وارفع من هذه السلوكيات التي لن يقدم عليها الا مأجورون محسوبون ظلما على الطائفتين... ولكن من يحاسب هذه الوسائل ويوقفها عند حدها؟ واين يمكن ان نشتكي ونحن من دون وزارة اعلامنا، وشبكتنا العراقية جزء من المشكلة، وحكومتنا اضعف من ان تضرب بيد من حديد، وبرلماننا معصوب العينين منشغل بالالتفات على القانون وتمرير الرواتب التقاعدية لأعضائه باقل الخسائر.. ثم اين نتوجه، واية جهة نسأل عن هذا التمويل الفلكي لاصحاب الفضائيات والصحف؟ وماذا لو اكتشفنا ان تمويل الاعلام الطائفي تقف وراءه اطراف في العملية السياسية، وان هذه الاطراف بدورها تحصل على تمويل فلكي من بلدان الجوار الشقيقة والصديقة، وان هؤلاء الاشقاء والاصدقاء لا يمولون جماعتهم الشيعة بحفنة كهرباء، ولا جماعتهم السنة بحفنة ماء، بل يمولونهم بالطائفية، وبمنتهى الكرم، ومن دون حساب!!؟
|