منذ أكثر من شهرين تقريبا، تفتحت شهية الارهاب على مصراعيها، وبلغت اقصى مدى ممكن من الجريمة، والاستهتار بارواح الناس، علما ان شهيتها العدوانية لم تتراجع يوما او تهدأ، ولكنها في المرحلة الاخيرة اصيبت بنوع من هستيريا القتل العشوائي الشامل الذي لم ينجُ منه مكون ولا مذهب ولا صغير او كبير، ولم يقم وزنا لحرمة رمضان او جمعة او عيد، ولم تفلت من اذاه خمس عشرة محافظة عراقية بمراكزها واقضيتها ونواحيها، وان كانت مدينة بغداد هي الاكثر عرضة وخسارة وتضحية في الارواح والممتلكات.كان من الطبيعي ان يثير مثل هذا الوضع الاستثنائي زوبعة من حوله اثارت فزع الاطراف السياسية جميعها (الغريب ان هذا الفزع المشترك لم يوحدها للدفاع عن مصالحها الموحدة التي تتعرض لخطر حقيقي قد يعصف بها، بل على العكس تماما، فقد تصاعدت خلافاتها، وارتفعت حصيلة التهم المتبادلة فيما بينها)، حتى راح كل طرف يدلي بدلوه، ويعتقد انه يمتلك الحل السحري، كما لو أنهم على مشارف انتخابات جديدة !الحكومة هي اكثر الاطراف ذهولا وخوفا وارتباكا، بحيث لا تدري كيف تتعامل مع الموقف وماذا تقول وكيف تبرر، ففي الوقت الذي كان فيه (كبارها) يبشرون شعبهم بوجوه تعلوها ابتسامة النصر، انه تم تجفيف منابع الارهاب، وانه يلفظ انفاسه الاخيرة، وان العراق اصبح البلد الاكثر (امانا) في المنطقة، واذا بالسجون تشهد هجوما نوعيا ادى الى (اطلاق سراح) المئات من عتاة القاعدة، واذا التفجيرات في الليل والنهار وفي كل مكان، واذا الخطط الامنية قبض ريح ومدعاة لألف علامة استفهام، وبدلا من ان تعترف وتواجه نفسها وشعبها بالحقائق، راحت تتحدث مرة عن ان جرائم الإرهابيين لم تستطع الوصول الى الاماكن المهمة (تقصد المنطقة الخضراء)، وهذا عذر اقبح من الذنب، لانه لا يقيم اعتبارا لمئات الضحايا كونهم من البسطاء وعامة الناس وأرواحهم رخيصة، وتتحدث مرة اخرى عن عمليات عسكرية حققت نجاحات باهرة عند حزام العاصمة وفي صحراء الانبار، بينما بغداد تخرج من يوم دام الى يوم اكثر دموية، وتتحدث ما طاب لها الحديث، وتفكر باستدعاء قوات امريكية محدودة لتقديم المساعدة، او مغازلة الاقليم لوضع المنطقة الخضراء تحت حماية البيشمركة او ..او ... فيما لم (يقصر) شركاء العملية السياسية في اطلاق التصريحات التي تتهم الحكومة بالفشل في توفير الامن، وتقترح كما يحلو لها اقالة الحكومة، او مساءلة القادة الامنيين او ابدالهم او تغيير الخطط.. الخ، في وقت اعتقد فيه ان توفير الامن بسيط جدا، وذلك باعلان منع التجول لمدة 6 اشهر، لو حصل في اثنائها تفجير واحد، اكون انا المسؤول صحيح ان الناس ستموت جوعا، ولكن الفرق كبير بين ان يموت المواطن في انفجار عبوة وتتناثر أشلاؤه في الشارع، وبين ام يموت معززا مكرما في بيته!!
|