وعرف العالم أن أم الدنيا هي مصر، وما كانت ام الدنيا لولا هذه العاطفة الشعبية الصادقة، والتي جعلت السيد سيف عبد الحسين يقرر ان مصر صارت بلده، وبات يطرب وينتشي بغزل المصري بمصر، وبمحبة وتقدير المصري لكل من يزور مصر ومن يختارها بلدا له... وان هذا الشعب الذي ننعته بكثرة (الفهلوية، والبلطجية, والنشالة والمحتالين والجياع) خرج باكثر من مظاهرة احتجاجا على سرقة اثار من المتحف، وان كل مراحل السياسة واضطراباتها لم تشهد اعمال سلب ونهب بحجم ما حدث في العراق, بل انهم ودعوا الملك فاروق وداعا مهيبا ولم يستولوا على قصره ومقتنياته...وانه اذا فعل الشعب الايراني الشيء نفسه مع الشاه، والبلغار مع شاوشسكو والفرنسيون مع لويس الرابع عشر الا ان المصريين تميزوا بالتسامح والكرم والتهذيب، والوفاء، بل وأطلقوا مدفعيتهم في توديع فاروق. العراقي سيف عبد الحسين يحب العراق، وانه اذ اختار مصر موطنا له فلأنه أدمن معايشة العاطفة الوطنية ويتمناها في العراق...يتمنى مثل هذه القداسة للعراق في قلب كل العراقيين لا للانتماءات والهويات الفرعية والهامشية وما يفرزه العقل المتخلف والقلب الأسود. البيوت والعوائل والمجتمعات والبلدان لا تبنى بالكلمات والشعارات والاكاذيب.. والاهم انها مع الكراهية لا ينتظرها غير الهلاك الاسود، وقد برهنت هذه الحقيقة على نفسها ورسمت لأثرى بلدان العالم صورة نقيضة.. ولاجمل ولاكرم مجتمعات العالم هذه البشاعة التي يتكتم عليها الاعلام الأمريكي. العراقي الذي تمصر، سرت فيه العاطفة الوطنية المصرية وانخرط وجدانيا فيها.. ولكنه يتأجج بالعاطفة لعراقه فيعيش حلم يقظة وسلسلة تمنيات ان يعثر العراقي على عراقه، ويتذكر انه لا دين ولا مجتمع ولا هناءة لمن لا وطن له.. وطن يتقدم كل العواطف والانتماءات، وطن يحبه، فالمحبة اقوى واغزر من المعرفة والفكر في صياغة الحياة الخاصة والعامة...وانها التي عصمت مصر وغيرها من النهب والسلب وقد تعصمها من التمزق والفوضى...فهل هي عدوى اذن ان يتضاءل انتماء بعض العراقيين للعراق؟ يقال انه لا يخون العراق الا من كان جذره غير عراقي... وهذا أيضا غير دقيق فذاك العراقي الذي تمصر يسعى للاجتهاد أن يقدم لمصر ما يتمنى ان يقدمه للعراق.في مصر لا يجدفون بحق الله ولا بحق مصر فتلك قداسات يرضعونها ويعيشون عليها... فما هي قداسات بعض سياسيي العراق وجهلته؟ بل انه لا شعب لا يؤمن بالله وبعباده وبوطنه... الا انه في العراق وحده حدث النهب والسلب والتمزق وشق النهر الثالث المتدفق بالدماء.
|