في هذا البؤس للثقافة والمثقف, وبلوغهما الدرجة الأرذل, فان الخبر عن شراء كتاب بضعف سعره المثبت على الغلاف يعتبر بشرى وإشراقة خير ودعوة للتفاؤل.. وقد كان مثل هذا الخبر مثيرا لأعصاب المثقفين ومحيطهم وتتابعه الصحافة وتتحرى عنه. انتهت مقولة ان العراق يقرأ, وان في العراق شعراء بعدد نخيله.. والمتبقي منهم لا محيط ولا مناخ ولا طلب عليهم فالطلب على الغث, وخصوصا على سعار الكراهية وما يغذيها ويصعد مناسيبها وثملها... وان خبر شراء كتاب الزميل شامل عبد القادر الموسوم (مجزرة قاعة الخلد) في قضاء المحمودية وفي مدن أخرى بضعف سعره علامة عافية وإشارة الى عودة الاهتمام بالثقافة, وقد يكون التطلع لمعرفة اسرار حقبة سياسية ومقارنتها بحقبة معاشة. ولكن ...من يعقل ان تتردى الثقافة وحال المثقف في العراق الى هذا الحد؟؟؟ موقفه ورأيه وصوته رهن قرار الاميين والمستثمرين الطفيليين ومستثمري السياسة والطائية بابشع وارخص صورها ...ويكفي ان عناوين بعض الاسماء الرسمية في الثقافة والاعلام لا حضور ولا تاريخ لها ..وتحول التعصب الطائفي الى شهادة ومؤهل وعنصر كفاءة لاي منصب ... وحتى في الاعلام والثقافة..فكان هذا مصيرهما...وقد شمل الظلم البراعم والكفاءات المتوالدة ..وكيف للابداع الجديد ان يجد استحقاقه من الرعاية والاهتمام في هذا الابتذال ومهرجان الرثاثة بعنوانه من الفساد وبنقيض الوعي والثقافة والابداع: الطائفية...بل ان هذا المنظور ,الطائفي ,قد كشف لحسني النية من المبدعين انهم كانوا مخدوعين وواهمين وتنقصهم الحكمة, والنظرة العميقة, والمعيار الإبداعي عندما نظروا الى من حسبوهم على الابداع وتبين بعد الاحتلال انهم طائفيون, وبما يعني فقرهم وإدقاعهم من البعد الانساني, والى عدم انحيازهم للحياة.. ووفر الاحتلال على معناه المهين تصويبا للاحكام وترتيبا للمواقع ولكن في المستقبل ..فالحاضر اعجز وابعد من ان يقترب من الثقافة وتقييمها للأحكام وترتيبها للمواقع.. فهذا الحاضر هو الذي جعل من ممارسات الماضي المدانة بمثابة بشارة ومبعث تفاؤل وسط هذا التيار الذي وظف الدين في السياسة, وجعل منه سلالم لتبرير الجشع والكراهية واحتقار الحياة.. ووجدنا في شراء كتاب زميلنا شامل بضعف سعره بشارة ...وتحولت سيئة الأمس إلى حسنة اليوم.
|