ربما يجهل كثيرون، أن معظم المخترعات البشرية، من حمالة الصدر النسوية الى مركبة الفضاء، بدأت على هيأة خيال، ثم اصبحت واقعا، ومع ذلك فأي خيال لا يولد من فراغ، بل لابد من وجود أرضية ما، ينطلق منها عقل ابن ادم، وبمرور الزمن وتعاظم المعرفة وتراكم الخبرة، يتم الوصول الى الهدف، والى ما يفوق الخيال نفسه، والا من كان غير اصحاب الخيال السياسي الواسع ـ يظن مجرد ظن ـ ان يوما يأتي على العراق، وقد اندحرت سلطة صدام الطاغية، وتهاوى جبروته وظلمه وبطشه، وتكون الديمقراطية هي البديل ؟! ومن كان يتصور ـ غير اصحاب الخيال السياسي الخصب ـ ان الديمقراطية التي كانت غالبية الشعب الساذجة مثلي، تأمل ان تحقق لها العدالة الاجتماعية والحياة الكريمة، فإذا بها تنتج مجتمعا تحكمه الفوارق الطبقية، وان هذه الفوارق التي كنا نتوهم أنها قائمة بيننا نحن شرائح (العاطلين والمتقاعدين والكسبة وصغار الموظفين والارامل والاطفال) الذين يبلغ عددنا (34 مليونا و992 ألف مواطن) وبين (8) الاف مسؤول بشتى العناوين، تنحصر الرواتب الفلكية بينهم، بينما اكتشفنا ان الفوارق الحقيقية هي بيننا وبين (175) مواطنا فقط، حيث أعلنت تقارير الاقتصاد العالمية، ان اثرياء العراق كان عددهم (160) في العام الماضي، ووصل في هذا العام إلى (175) اي بزيادة (15) ثريا في السنة الواحدة، وتعريف الثري اقتصاديا وماليا هو من يمتلك (30) مليون دولار في الحد الادنى، او ما يعادل (125) مليار دينار عراقي، اي ان اثرياء العراق يملكون (21,875,000,000,000) دينار يعذرني القارئ، فانا لا اجيد قراءة هذا الرقم، وما دمنا نتحدث عن الخيال، سأطلق العنان لخيالي وأقول: اذا كان العام الواحد يستقبل (15) ثرياً، فبعد عشرة اعوام سيصبح عدد الاثرياء، (325) ثريا (من باب المصادفة فالعدد نفسه هو عدد اعضاء البرلمان) وستصبح ثروتهم اكبر من ميزانية الدولة التي تكون قد أشرفت على الافلاس، وهنا ستظهر مشكلة حادة، فهناك كما سبق القول (8) آلاف مسؤول فلكي يريدون رواتبهم ومخصصاتهم، والخزينة خاوية بسببهم، وهنا ستقوم الحكومة برفع مشروع قانون إلى البرلمان يقضي بتأميم ثروات الأثرياء، وسيعترض البرلمان لان الديمقراطية لا تسمح بتأميم ثروات الاثرياء، ولهذا سترفع الحكومة مشروعا بديلا يقضي بتوجيه المادة (4 إرهاب) الى الاثرياء، ومصادرة أموالهم لأنهم يشكلون تهديدا على امن العراق الاقتصادي، وسوف يوافق اعضاء البرلمان بالاجماع عليه (بعض اعضاء الحكومة والبرلمان ممن ينطبق عليه تعريف الثري سوف يقف ضد المشروع)، اما بالنسبة لشرائح المواطنين البالغ عددهم (34 مليونا و 992 الف) مواطن، فسوف تبقى من دون رواتب، وتبدأ بالموت التدريجي، وبعد سنتين فقط سيموتون بأكملهم جوعا، وعندها فان عدد نفوس العراق سيتغير من (35) مليون نسمة، الى (8) آلاف مسؤول فقط هم اثرياء البلد الجدد، وهو امر يتماشى مع الديمقراطية ولا يتعارض مع الدستور، الا ان اللافت للنظر هو بقاء وتيرة الفساد المالي في تصاعد، على الرغم من ان البلد ليس فيه سوى (8) الاف مواطن، يتقاضى كل واحد منهم راتبا شهريا قدره (8) مليارات دينار !! وايا كان الامر فهو مجرد خيال قد لا يتحقق، وقد نشهده بعد عشر سنوات، وقد نشهد ما هو أسوأ منه !!
|