بعض الناس يولد ويموت، من دون أن يرى حلماً جميلاً أو يمر به كابوس مرعب، وبعضهم لا تمر ليلته من دون عشرات الأحلام والكوابيس، وهذا التفاوت يعدّ ظاهرة طبيعية وعالمية، لا يستثنى منها بلد سوى العراق، فهو البلد الوحيد الذي يرى شعبه أحلاماً وكوابيس يومية لا يوجد عراقي واحد -حتى سكنة الخضراء- إلا واستيقظ من نومه مرتين او ثلاثا، وقرأ المعوذتين وعاد إلى فراشه، ومع ذلك فما يشغل بالي، هو ان أحلامي مختلفة تماما، إنها غريبة وفنطازية، تقوم على نوع من المزج الدرامي بين أفراح كوميدية وأحزان تراجيدية، كما لو أن وراءها مخرجاً موهوباً يتقن أسرار مهنته الفنية! واحد من تلك الأحلام، أن صديقا مخلصا شجعني على المطالبة باحتساب خدمتي الجهادية، والذي أغراني بصدق، هو أن راتب المجاهد التقاعدي، يعادل عشرة أضعاف الراتب الذي يتقاضاه غير المجاهد، ولذلك رأيت من حقي الطبيعي الحصول على هذا الراتب، فانا لم أكن أتسكع في شوارع لندن او باريس واقبض راتبا دولاريا نهاية كل شهر، بدعوى انني معارض للنظام، ثم أطالب بعد سقوطه بخدمة جهادية، بل كنت احمل صفة المجاهد عن جدارة ! وهكذا توجهت الى (المديرية العامة لمتقاعدي الخدمة الجهادية)، وفوجئت ابتداء، ان كل شيء في هذا المكان لا يمت بصله الى دوائرنا المعهودة، فالبناية ذات الطراز المعماري الحديث، تقــــوم على ارض مساحتها (40×70) متر تقريبا، تتصدرها حديقة واسعة، وعند اجتياز البوابة الدوارة يفاجأ المراجع بقـــاعة الاستعلامات الفخمة، وكأنها صالة ضيوف ارستقراطية، لعلّ أجمل ما فيها هو جدرانها التي اعتلتها لوحات فنية مذهلة، تحمل رسومات زيتية تشير إلى فتوحات المسلمين الأوائل، حيث أجواء المعارك والنساء المنشغلات بعلاج المجاهدين الجرحى ! استقبلني موظف الاستعلامات بالترحاب، حيث أوضحت له أنني كنت مجــــــــاهدا ضد نظام صدام حسين، ولذلك منعني من الكتابة في اية وسيلة إعلامية مدى العمر، ووضعني نجله (عدي) -نقيب الصحفيين يومها- تحت رقابة شديدة، ومع ذلك (بقيت نائما على قلبه)، ولم أغادر العراق، ابتسم الرجل وقال لي (أنت مجاهد من الدرجة الأولى) ثم سألنــــي إن كان عندي شهــــــود على هذا الادعاء، فذكرت له قرابة خمسين شاهدا ما زالوا أحياء، حتى انه أوقفني بلطف عن الاسترسال (اثنان أو ثلاثة يكفي.. معاملتك لن تستغرق اكثر من ساعتين .. ألف مبارك), عاد وسألني إن كنت قد هيأت عريضة فقدمتهــــــــــا له فورا، كانت تفاصيلهــــا مطابقة تماما لأقوالي، ولكنه بعد ان نظر اليها قال لي مستغربا (يا مولانا .. العريضة غير مختومــــــة من الحزب المجاهد الذي تنتمي اليه، يؤيد انك احد مجاهديه) أجبته (انا لا انتمي الى اي حزب ـ بمعنى أنني مجاهد مستقل) غير انه بما أوتي من وداعة ورقة، أبدى عظيم أسفه قائلا (أنت رجل مثقف وتحترم القانون، وهذا هو قانون الخدمة الجهاديــة) ولا ادري لماذا لم انزعج حتى بعد ان استيقظت من النوم، فقد كنت مأخوذا الى حد الانبهار باحترام القوانين وتطبيقها، وان كانت معدة على مقاسات الأحزاب!.
|