ما بين عام 1986 تاريخ عملي في مجلة «الف باء» وعام 2003 حيث توقفت المجلة عن الصدور، فاصلة امدها قرابة ست عشرة سنة، تشكل علامة فارقة في مسيرتي الاعلامية المتواضعة، وعلامة ناصعة في علاقاتي الوطيدة والطيبة مع زملاء المهنة، ما زلت احن اليها واستذكرها بمحبة ترقى الى مستوى التقديس، وربما كان صديق العمر والتاريخ والوفاء الصحافي الرائد (محسن حسين) واحدا من المع تلك العلاقات ! تعرفت على الرجل الذي يكبرني بعشر سنوات، ولم استطع اخفاء إعجابي به، فقد كان بخلافي انا المهووس بعقلية الادب ولغته، اعلاميا من طراز فريد انه يعج بالأفكار، ويشم رائحة الخبر الصحفي وهو في علم الغيب، ويمارس فنون العمل الصحفي جميعها بالاقتدار ذاته، وهو الذي يوجه بوصلة «الف باء» بالاتجاه الذي يراه، وفوق ذلك كله كان انسانا منظما ودقيقا، ويمتلك ذاكرة نادرة الى الحد الذي يحفظ فيه مناسبات العراق التي لا تحفظ، وتواريخ ميلاد اصدقائه، وتواريخ زواجهم وطلاقهم وتعيينهم ووفاتهم، على الرغم من انهم بالمئات ! على ان ما اعجبني اكثر في شخصيته، هي الديمقراطية العالية التي يتحلى بها وصدره الرحب الذي يتسع للملاحظة والنقد والرأي الآخر، ولهذا استغربت حين حذرني يوما احد الاصدقاء الذين عملوا مع الزميل محسن منذ مدة طويلة، حيث قال لي بالحرف الواحد (احذر من ديمقراطية فانها اخطر سلاح ينتقم به من مخالفيه او معارضيه !) ولم اقم وزنا لهذه النصيحة، كونها تنم عن غيرة او حسد من اعلامي ناجح، ثم ان الرجل اصبح في وقت قياسي واحدا من اقرب اصدقائي فكيف اخشى منه ؟!). كان دوامي في المجلة بين (يوم ويوم) وأحيانا مرتين في الاسبوع فانا لست موظفا على الملاك الدائم، وكنت احضر الاجتماع الاسبوعي مع (الكادر) القيادي لالف باء، كوني احد اعضاء هيئة التحرير، حيث تجري مناقشات مستفيضة حول العدد الصادر من المجلة، وأوجه النجاح فيه او الخلل، زيادة على الكثير من الملاحظات والمقترحات، وغالبا ما كانت آراؤنا انا والزميل محسن متقاربة جدا، ولكن حصل في احد الاجتماعات ان تقاطعنا في الرأي تقاطعا حادا، وجرى بيني وبينه حوار لا يخلو من سخونة الا انه حوار عمل انتهى لصالحي وانسحب الرجل معترفا ان الحق معي، وانه اخطأ في تقدير الموضوع، وقد زاد ذلك من حبي له واعتزازي بروحه الديمقراطية، وغادرنا الاجتماع، ونحن أوثق علاقة، وأعمق صداقة. في الاجتماع الذي تلاه، طرح الزميل محسن مشروعا كبيرا لتطوير المجلة حظي بحماسة الجميع وتأييدهم، وبالذات رئيس التحرير، الصديق كامل الشرقي، ولكن المشروع فوق طاقة الف باء البشرية والمالية والفنية، وختم مشروعـــه قائلا وهو يخاطب الشرقي (ان مثل هذا المشروع العملاق يحتاج الى كفاءة صحفية عالية ومتميزة تتولى تنفيذه والإشراف عليـــه وليس لدينا في المجلة أكفأ ولا أفضل ولا اقدر من الزميل حسن العاني، ولكن المشكلة انه لا يأتي إلى الدوام بصورة يومية !!) في تلك اللحظة فقط أدركت لماذا حذرني ذلك الزميل من ديمقراطية محسن حسين !!.
|