يتمتع بعض الناس بقدرة غريبة على إضفاء جو من المرح، حيثما كانوا وتحت اي ظرف واعتقد جازما ان مثل هذه القدرة هي نوع من الموهبة الخاصة، ينفرد بها هذا الشخص او ذاك من دون الآخرين حاله في ذلك حال الشاعر الذي يهز مشاعر الناس بقصائده، والفنان الذي يبهر المشاهدين بلوحاته، والسياسي الذي يضحك على المواطنين بتصريحاته، واعتقد كذلك ان هذه الموهبة الظريفة لا يمكن اكتسابها عبر التعليم او التمرين او التقليد، كونها فطرة وجزءا من الجينات التي تولد مع بعض البشر ! واحد من اصدقائي ـ وهو ليس الوحيد ـ يدعى سلمان الصالح يتحلى بنسبة عالية من هذه الصفة، فهو دائما ما يثير من حوله زوبعة من الضحك في اي مجلس واي مكان، سواء عبر تعليقاته الآنية المرحة، ام عبر صناعة (النكتة) والموقف الظريف، ويبدوا ان الاستجابة السريعة للحدث، وحضور البديهة واستحضار الطرائف والتعليقات المناسبة في اللحظة المناسبة قد اجتمعت كلها له وخلقت منه تلك الشخصية التي تستقطب الآخرين حولها وتحظى بمحبتهم ! كان الصالح قد تقدم في عام 2008 بعريضة الى مدير الشقق السكنية يطلب فيها الحصول على شقة، لأنه على الرغم من مضي اكثر من عشرين سنة امضاها في العمل الوظيفي وخدمة الدولة كما جاء في نص العريضة الا انه لم يحصل على قطعة ارض او دار او شقة سكنية، وما زال يدفع نصف راتبه للإيجار وفي ذلك ضرر عليه، وعلى وضع أسرته المعيشي خاصة ان اثنين من أبنائه يدرسان في الجامعة على حد تعبيره!! ربما هي من محاسن المصادفات، ان مدير عام الشقق السكنية كان من سكنة محلتنا، وكان صديقا لنا وللصالح، وطالما تبادلنا الزيارات معه والتقينا في المناسبات العامة والخاصة، وكان الرجل يستقبل الصالح استقبالا كريما ويحتفي به عند كل مراجعة الى الدائرة لمتابعة طلبه وفي كل مرة يتعهد له ويؤكد، انه سيوفر له شقة في اقرب فرصة ممكنة، غير ان عام 2008 مضى ، ولم يحصل صاحبنا على الشقة، وعاود المراجعة في عام 2009 ولكن من دون جدوى وانصرم عام 2010 ثم عام 2011، ولم يطرأ جديد والمدير يعد الصالح ويبشره خيرا ويعطيه الوعد تلو الوعد من غير ان يتحقق شيء، وهكذا صرف الصالح اربع سنوات متواصلة من المراجعات والمتابعات ثم خرج صفر اليدين الا من حفنة وعود وآمال، الا انه لم ييأس وتمسك بالصبر الجميل حيث لا سبيل أمامه ولا رجاء سوى ذلك ! وفي بداية العام الحالي توفي والد المدير ، وكما تقضي الاصول ، كنا نحن رجالات الطرف في مقدمة الواقفين الى جانبه من اللحظة الأولى، وفي اليوم عندما انقضى مجلس العزاء، تحلقنا حوله نواسيه ونطيب خاطره، وحين جاء الدور للصالح قال له مواسيا وهو يكاد يبكي ( هذه هي حال الدنيا، كلنا على هذا الطريق وين ابويه وين ابوك وين الشقة)، ومع حراجة الموقف لم نتمالك انفسنا من الضحك، ولكن اظرف ما في الامر هو ، ان اكثر الناس ضحكا كان صاحب العزاء !!
|